للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ إِذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ، يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَمْلِكُ فِيهَا إِيقَاعَ الطَّلَاقِ فَصَحَّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ، وَيَكُونُ طَلَاقًا فِي الصِّحَّةِ دُونَ الْمَرَضِ، لَا يَرِثُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، لَكِنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ وَقْتِ إِقْرَارِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ أَنَّهَا تَرِثُهُ لِلُحُوقِ التُّهْمَةِ فِي إِقْرَارِهِ، كَلُحُوقِهَا فِي طَلَاقِهِ. وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِالطَّلَاقِ غَيْرُ مُطَلِّقٍ فِي حَالِ الْإِقْرَارِ، أَلَا تَرَى لَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ فَأَقَرَّ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَحْنَثْ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَافَ طَلَاقُ الصِّحَّةِ إِلَى حَالِ الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِهِ فِي الْمَرَضِ.

(فَصْلٌ:)

وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ: إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَدِمَ زَيْدٌ فِي مَرَضِهِ، طُلِّقَتْ وَلَا تَرِثُ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ لِعَقْدِهِ فِي الصِّحَّةِ، وَانْتَفَى التُّهْمَهُ عَنْهُ فِي الْإِرْثِ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ فِي صِحَّتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ، فَأَهَلَّ الشَّهْرُ وَهُوَ مَرِيضٌ طُلِّقَتْ، وَلَمْ تَرِثْ تَعْلِيلًا بِمَا ذَكَرْنَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَقَالَ مَالِكٌ تَرِثُ؛ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فِي الْمَرَضِ، وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ بِمَا وَصَفْنَا مِنَ انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَرَضِي، طُلِّقَتْ فِيهِ وَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقَاوِيلِ، ولكن لو قال لها في صحتها: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي لِشَهْرٍ، وَمَاتَ بَعْدَهُ بِشَهْرٍ مِنْ قَوْلِهِ، طُلِّقَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، فَإِنْ كَانَ وَقْتَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا صَحِيحًا لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ لِأَنَّهُ عَقْدُ طَلَاقٍ فِي الصِّحَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُهُ فِي الصِّحَّةِ. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَيَّدَهُ بِزَمَانِ الْمَوْتِ صَارَ مَتْهُومًا بِالتَّعَرُّضِ لَهُ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ صِحَّتِي الْمُتَّصِلَةِ بِأَسْبَابِ أَوَّلِ مَوْتِي طُلِّقَتْ فِيهِ وَلَمْ تَرِثْ وَإِنْ كَانَ مَتْهُومًا لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي الصِّحَّةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُوَرَّثَ فِيهِ، وَلَكِنْ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا فِي صِحَّتِهِ بِفِعْلِهِ ثُمَّ أَوْقَعَ الْفِعْلَ فِي مَرَضِهِ. مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ وَهُوَ صَحِيحٌ: إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ كَلَّمَ زَيْدًا فِي مَرَضِهِ أَوْ دَخَلَ الدَّارَ فِي مَرَضِهِ فَلَهَا الميراث؛ لأنه منهم بِإِيقَاعِ الْفِعْلِ فِيهِ.

(فَصْلٌ:)

وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ الْمُخَوِّفِ ثُمَّ صَحَّ مِنْهُ ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ لَمْ تَرِثْهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ طلاق في المرض، وليس بصحيح؛ لأنه تَعَقُّبَ الصِّحَّةِ قَدْ أَخْرَجَ مَرَضَ الطَّلَاقِ أَنْ يَكُونَ مُخَوِّفًا، فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ الْمُخَوِّفِ ثُمَّ قُتِلَ فِيهِ أَوِ افْتَرَسَهُ سَبْعٌ أَوْ نَهَشَتْهُ أَفْعَى فَكَانَ مَوْتُهُ مِنْ غَيْرِهِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِهِ فَنُفِيَ عَنْهُ حُكْمُ الْخَوْفِ. وَهَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ فَارْتَدَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ تَرِثْ قَوْلًا واحداً؛

<<  <  ج: ص:  >  >>