الثَّانِيَةُ: رَدَدْتُكِ أَوِ ارْتَدَدْتُكِ فَصَرِيحٌ بِالْكِتَابِ، قَالَ الله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: ٢٢٨] وَأَمَّا رَاجَعْتُكِ فَصَرِيحٌ بِالسُّنَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعُمَرَ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا) .
ثُمَّ الْعُرْفُ الْجَارِي بِهِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِهِ: (رَاجَعْتُكِ) أَنَهُ صَرِيحٌ، وَأَمَّا رَدَدْتُكِ فَقَدَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ (الْأُمِّ) عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَمْ يَذَكُرْهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ، فَوِهَمَ الرَّبِيعُ فَخَرَّجَ مِنْهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لَا تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ، لِإِخْلَالِ الشَّافِعِيِّ بِذِكْرِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ، وَقَدْ أَنْكَرَ تَحْرِيمَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، فَأَمَّا قَوْلُهُ: قَدْ أَمْسَكْتُكِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، هَلْ يَكُونُ صَرِيحًا تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ، أَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بمعروف} .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا كِنَايَةٌ لَا تَصِحُّ بِهَا الرَّجْعَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَمْسَكْتُكِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا وَبَيْنَ رَاجَعْتُكِ وَرَدَدْتُكِ حَيْثُ كَانَ صَرِيحًا أَنَّ الْمُطْلَقَةَ مُرْسَلَةٌ مُخَلَّاةٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لِمَا خَرَجَ عَنِ الْيَدِ إِذَا أُعِيدَ إِلَيْهَا، قَدِ ارْتَجَعْتُهُ فَرَدَدْتُهُ، وَلَا تَقُولُ أَمْسَكْتُهُ إِلَّا لِمَا كَانَ فِي الْيَدِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا، فَلِذَلِكَ ما افْتَرَقَا فِي حُكْمِ الرَّجْعَةِ.
فَأَمَّا إِذَا رَاجَعَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ مِثْلَ: قَدْ تَزَوَّجْتُهَا أَوْ نَكَحْتُهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ مَا صَحَّ بِهِ أَغْلَظُ الْعَقْدَيْنِ كَانَ أَخَفُّهُمَا لَهُ أَصَحَّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ كُلِّ عَقْدٍ إِذَا نُقِلَ إِلَى غَيْرِهِ، صَارَ كِنَايَةً فِيهِ كَصَرِيحِ الْبَيْعِ فِي النِّكَاحِ، وَصَرِيحِ الطَّلَاقِ فِي الْعِتْقِ، وَالرَّجْعَةُ لَا تَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ، وَلَيْسَ إِذَا انْعَقَدَ الْأَقْوَى بِلَفْظٍ كَانَ صَرِيحًا فِيهِ وَجَبَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِالْأَضْعَفِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا انْعَقَدَ بِهِ النِّكَاحُ الَّذِي هُوَ أَقْوَى لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ.
فَصْلٌ:
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَإِنَّ صَرِيحَ الرَّجْعَةِ لَفْظَتَانِ: رَاجَعْتُكِ أَوْ رَدَدْتُكِ.
فَالْأَوْلَى أَنْ يَصِلَ ذَلِكَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُكِ إِلَى النِّكَاحِ، أَوْ يَقُولَ رَاجَعْتُكِ مِنَ الطَّلَاقِ هَذَا إِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً ذَكَرَ اسْمَهَا فَقَالَ: رَاجَعْتُ امْرَأَتَيْ فلانة أو زوجتي فلانة؛ لأن الرجعية زَوْجَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً، فَإِنْ قَالَ: رَاجَعْتُكِ أَوْ رَدَدْتُكِ وَلَمْ يَقُلْ إِلَى النِّكَاحِ أَوْ مِنَ الطَّلَاقِ صَحَّ وَتَمَّتِ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ طَلَاقٍ وَإِلَى نِكَاحٍ، وإن لم يذكر اسمها مع الغيبية، وَقَالَ: رَاجَعْتُهَا صَحَّتِ الرَّجْعَةُ إِنْ قِيلَ: إِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا نَدْبٌ وَلَمْ تَصِحَّ إِنْ قِيلَ: إِنَّ الشَّهَادَةَ وَاجِبَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute