وَالسُّؤَالُ السَّابِعُ: إِنْ قَالُوا: تَسْلِيمُ الْحَدِيثِ عَلَى لَفْظِهِ فِي الْقُلَّتَيْنِ يَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ، وَالتَّعَلُّقِ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ لِقَوْلِهِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا يَعْنِي أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنِ احْتِمَالِ الْخَبَثِ، كَمَا يُقَالُ هَذَا الْخَلُّ لَا يَحْمِلُ الْمَاءَ لِضَعْفِهِ عَنْهُ، وَهَذَا الطَّعَامُ، لَا يَحْمِلُ الْغِشَّ يَعْنِي أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْهُ، وَيَفْسُدُ بِهِ، وَهَذَا الرَّجُلُ لَا يَحْمِلُ هَذَا الْمَتَاعَ إِذَا عَجَزَ عَنْهُ، وَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَوْجَهٍ مِنَ الْجَوَابِ:
أَحَدُهَا: إِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لِتَحْدِيدِ الْقُلَّتَيْنِ فَائِدَةٌ، وَهَذَا فَاسِدٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي أَكْثَرِ الْأَخْبَارِ لَمْ يُنَجَّسْ، وَهَذَا صَرِيحٌ لَا تَأْوِيلَ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا أَيْ لَمْ يَقْبَلْ خَبَثًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أسْفَاراً) {الجمعة: ٥) أَيْ لَمْ يَقْبَلُوهَا وَلَمْ يَلْتَزِمُوا حُكْمَهَا، فَسَلِمَ الحديث من الِاعْتِرَاضِ بِهَذِهِ الْأَسْئِلَةِ وَصَحَّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى كُلِّ مُخَالِفٍ.
(فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ)
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى مَالِكٍ خَاصَّةً بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا " فَمَنَعَ مِنْ غَمْسِهَا خَوْفًا مِنْ تَنْجِيسِ الْمَاءِ بِهَا فَدَلَّ عَلَى تَنْجِيسِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلِأَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي مُخَالَطَةِ الْحَظْرِ لَهُ، فَإِنِ اخْتَلَطَ بِالْقَلِيلِ كَانَ حُكْمُ الْحَظْرِ أَغْلَبَ، وَإِنِ اخْتَلَطَ بِالْكَثِيرِ كَانَ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ أَغْلَبَ، أَلَا تَرَى لَوِ اخْتَلَطَتْ أُخْتُ رَجُلٍ بِعَدَدٍ مِنَ النِّسَاءِ حُرِّمْنَ كُلُّهُنَّ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لَحُكْمِ الْحَظْرِ، وَلَوِ اخْتَلَطَتْ بِنِسَاءِ بَلَدٍ حَلَلْنَ لَهُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ، كَذَلِكَ النَّجَاسَةُ، وَإِنِ اخْتَلَطَتْ بِمَاءٍ قَلِيلٍ وَجَبَ تَغْلِيظُ الْحَظْرِ فِي النَّجَاسَةِ وَإِنِ اخْتَلَطَتْ بِمَاءٍ كَثِيرٍ وَجَبَ تَغْلِيبُ الْإِبَاحَةِ فِي الطَّهَارَةِ، وَهَذَا أَصَحُّ اسْتِدْلَالٍ بَعْدَ النَّصِّ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أبي حنيفة أَيْضًا، ثُمَّ مِنَ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَاءٌ قَلِيلٌ خَالَطَهُ نَجَاسَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا قِيَاسًا عَلَى الْمُتَغَيِّرِ.
(فَصْلٌ: الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أبي حنيفة مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلِيطِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قِيلَ لَهُ إِنَّكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute