الَّتِي فِي يَدِ عَمْرٍو وَبَيِّنَةَ عَمْرٍو شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكِ الْجَارِيَةِ الَّتِي فِي يَدِ زَيْدٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا تَعَارُضٌ فِي الْمِلْكِ، وَإِنْ تَعَارَضَتَا فِي الْوِلَادَةِ فَيُحْكَمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَيِّنَتِهِ وَتُسَلَّمُ الْجَارِيَةُ الَّتِي فِي يَدِ زَيْدٍ إِلَى عَمْرٍو، وَالْجَارِيَةُ الَّتِي فِي يَدِ عَمْرٍو إِلَى زَيْدٍ، وَلَا يَكُونُ تَعَارُضُهُمَا فِي الْوِلَادَةِ مُوجِبًا لِتَعَارُضِهِمَا فِي الْمِلْكِ، وَكَانَ التَّعَارُضُ فِي الْوِلَادَةِ أَقْوَى، وَلَا يَحْمِلُ عَلَى رَدِّ الْبَيِّنَةِ فِي الْكُلِّ، إِذَا رُدَّتْ فِي الْبَعْضِ، لِأَنَّ الْوِلَادَةَ هَاهُنَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْحُكْمِ فَكَانَ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا، وَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَقَالَ: أَنَا مَالِكٌ لِلْجَارِيَةِ الَّتِي فِي يَدِي، وَالْجَارِيَةِ الَّتِي فِي يَدِكَ، وَهِيَ بِنْتُ الْجَارِيَةِ الَّتِي هِيَ فِي يَدِي، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً صَارَتِ الشَّهَادَتَانِ مُتَعَارِضَتَيْنِ فِي الْوِلَادَةِ وَالْمِلْكِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ يستحيل أن تكون كل واحدة منهما بنت الْأُخْرَى، فَتَعَارَضَتْ فِي الْوِلَادَةِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَتَانِ مَعًا مِلْكًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَتَعَارَضَتْ فِي الْمِلْكِ، فَتَكُونُ عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، فَإِنْ زَالَ الِاشْتِبَاهُ فِي سِنِّ الْجَارِيَتَيْنِ بَانَ مَنْ يَحِقُّ أَنْ تَكُونَ بِنْتَ الْأُخْرَى لِصِغَرِ سِنِّهَا، وَكِبَرِ الْأُخْرَى، تَعَيَّنَ بِهَا كَذِبُ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْوِلَادَةِ، فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا فِي الْمِلْكِ، وَحُكِمَ بِشَهَادَةِ الْأُخْرَى فِي الْوِلَادَةِ وَالْمِلْكِ، وَزَالَ بِهِ حُكْمُ التَّعَارُضِ.
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا تَنَازَعَا شَاةً مَذْبُوحَةً وَكَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا رَأْسُهَا وَجِلْدُهَا وَسَقَطُهَا، وَفِي يَدِ الْآخَرِ مَسْلُوخُهَا، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ جَمِيعَهَا لَهُ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً حُكِمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِلْكِ مَا فِي يَدِهِ، لِأَنَّ لَهُ بِمَا فِي يَدِهِ بَيِّنَةَ دَاخِلٍ، وَفِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بَيِّنَةَ خَارِجٍ، فَقَضَى بِبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ.
وَحَكَمَ أَبُو حَنِيفَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، لِأَنَّهُ يَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي تِلْكَ الشَّاةَ، وَأَنَّهَا نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ، وَأَقَامَ بِهَا بَيِّنَةً وَأَمْضَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِلْكِ مَا فِي يَدِهِ، لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ عَلَى الْقَضَاءِ بِبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ فِي النِّتَاجِ، وَيُخَالِفُ فِي غَيْرِهِ، فَيَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ فِي غَيْرِ النتاج.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِ فُلَانٍ جَعَلْتُهُ لِفُلَانٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْغَزَلَ مِنْ قُطْنِ زَيْدٍ، كَانَتْ شَهَادَةٌ بِمِلْكِ زَيْدٍ لِلْغَزْلِ، لِأَنَّهُ عَيْنُ الْقُطْنِ وَإِنْ غَيَّرَتْهُ الصَّنْعَةُ، بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِنْتُ أَمَتِهِ لِأَنَّهَا غَيْرُ أَمَتِهِ.
وَهَكَذَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ من غزل زيد كانت الشهادة لَهُ بِمِلْكِ الثَّوْبِ، لِأَنَّهُ الْقُطْنُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالْغَزَلِ وَالنِّسَاجَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute