(فَصْلٌ)
وَإِذَا كَانَتْ إِحْدَى رَبَاعِيَّتِهِ أَقْصَرَ مِنَ الْأُخْرَى فِي أَصْلِ خِلْقَتِهَا خَالَفَتْ قِصَرَ الثَّنِيَّةِ عَنِ الرَّبَاعِيَّةِ، لِأَنَّ السِّنَّ مُعْتَبَرَةٌ بِأُخْتِهَا لِكَوْنِهَا شبه لَهَا فِي الِاسْمِ وَالْمَحَلِّ، وَلَا تُعْتَبَرُ بِغَيْرِهَا، فَإِذَا نَقَصَتْ إِحْدَى الرَّبَاعِيَّتَيْنِ عَنِ الْأُخْرَى عُلِمَ أَنَّهَا رَبَاعِيَّةٌ نَاقِصَةٌ، فَإِذَا قُلِعَتْ وَعُرِفَ قَدْرُ نُقْصَانِهَا وَجَبَ فِيهَا مِنْ دِيَةِ السِّنِّ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَسَقَطَ مِنْهَا قَدْرُ مَا نقص، ولو ذهب حِدَّةُ الْأَسْنَانِ حَتَّى كَلَّتْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ كَانَ فِيهَا الدِّيَةُ تَامَّةً، لِأَنَّ كَلَالَهَا مَعَ بَقَائِهَا عَلَى الصِّحَّةِ يَجْرِي مَجْرَى ضَعِيفِ الْأَعْضَاءِ، وَلَوْ حَالَتْ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهَا بِمُرُورِ الزَّمَانِ بَعْضُ أَضْرَاسِهَا سَقَطَ مِنْ دِيَتِهَا بِقِسْطِ مَا ذَهَبَ مِنْهَا وَوَجَبَ فِي قَلْعِهَا مَا بَقِيَ مِنْ ديتها.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ لَمْ يُثْغِرِ انْتَظَرَ بِهِ فَإِنْ لَمْ تنبت ثم عَقْلُهَا وَإِنْ نَبَتَتْ فَلَا عَقْلَ لَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِذَا قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ لَمْ يَثَّغِرْ فَلَا قَوَدَ فِي الْحَالِ وَلَا دِيَةَ، لِأَنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ أَسْنَانِ اللَّبَنِ أَنَّهَا تَعُودُ بَعْدَ السُّقُوطِ فَلَمْ تَصِرْ مُسَاوِيَةً لِسِنِّ الْمَثْغُورِ الَّتِي لَا تَعُودُ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا تَعُودَ سِنُّ اللَّبَنِ إِذَا قُلِعَتْ، وَإِنْ كَانَ نَادِرًا، كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَعُودَ سِنُّ الْمَثْغُورِ إِذَا قُلِعَتْ وَإِنْ كَانَ عَوْدُهَا نَادِرًا.
وَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ الْأَغْلَبِ دُونَ النَّادِرِ، وَهُوَ أَنَّ سن اللبن تعود سن الْمَثْغُورِ لَا تَعُودُ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ الِانْتِظَارُ بِسِنِّ اللَّبَنِ حَالَ عَوْدِهَا وَإِنْ جَازَ أَنْ لَا تَعُودَ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِسِنِّ الْمَثْغُورِ حَالَ عَوْدِهَا وَإِنْ جَازَ أَنْ تَعُودَ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَخْلُ سِنُّ الصَّبِيِّ إِذَا قُلِعَتْ مِنْ أَنْ يَعُودَ نَبَاتُهَا أَوْ لَا يَعُودَ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ نَبَاتُهَا بَعْدَ نَبَاتِ أَخَوَاتِهَا وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: قَدْ تَجَاوَزَتْ مُدَّةُ نَبَاتِهَا وَجَبَ فِيهَا الْقِصَاصُ، وَكَمَالُ الدِّيَةِ، وَكَانَتْ فِي حُكْمِ سِنِّ الْمَثْغُورِ، لِأَنَّهَا سِنٌّ لَمْ تَعُدْ بَعْدَ الْقَلْعِ، وَإِنْ عَادَ نَبَاتُهَا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أن يعود مُسَاوِيَةً لِأَخَوَاتِهَا فِي الْمِقْدَارِ وَالْمَكَانِ فَلَا دِيَةَ فِيهَا وَلَا قَوَدَ، فَأَمَّا الْحُكُومَةُ فَإِنْ كَانَ قَدْ جُرِحَ مَحَلُّ الْمَقْلُوعَةِ حَتَّى أَدْمَاهُ لَزِمَتْهُ حُكُومَةُ جُرْحِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْهُ فَفِي حُكُومَةِ الْمَقْلُوعَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا حُكُومَةَ فِيهَا، لِأَنَّهَا تَسْقُطُ لَوْ لَمْ تُقْلَعْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِيهَا حُكُومَةٌ، لِأَنَّهُ قَدْ أَفْقَدَهُ مَنْفَعَتَهَا.
وَلَوْ قِيلَ بِوَجْهٍ ثَالِثٍ: إِنَّهُ إِنْ قَلَعَهَا فِي زَمَانِ سُقُوطِهَا فَلَا حُكُومَةَ فِيهَا، وَإِنْ قَلَعَهَا قَبْلَ زَمَانِهَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ كَانَ مَذْهَبًا، لِأَنَّهَا قَبْلَ زَمَانِ السُّقُوطِ نَافِعَةٌ وَفِي زَمَانِهِ مَسْلُوبَةُ الْمَنْفَعَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute