للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّهْرِ، صَارَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ تَأْجِيلِ الْخِدْمَةِ، وَتَأْجِيلِ الدَّيْنَارِ فَإِنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا صَحَّ، وَإِنْ وَصَلَ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ الْخِدْمَةَ صَارَتْ هَاهُنَا مَضْمُونَةً فِي الذِّمَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى إنْ بَاعَهُ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُ بِكُلِّ حَالٍ وَالْكِتَابَةَ لَا تَلْزَمُ مَتَى شَاءَ تَرَكَهَا) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ إِذَا جَمَعَ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مُسَاوِيًا لِحُكْمِهِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ.

مِثَالُهُ: أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا وَعَبْدًا بِأَلْفٍ فَيَكُونَ هَذَا جَائِزًا لِأَنَّ أَحْكَامَ الْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ كَأَحْكَامِهِ فِي الدَّارِ فِي اللُّزُومِ، وَثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِالْعَقْدِ وَخِيَارِ الثَّلَاثَةِ بِالشَّرْطِ، وَيَكُونَ الثَّمَنُ مُقَسَّطًا عَلَى الْمُثَمَّنَيْنِ فَإِنْ سَمَّى فِي الْعَقْدِ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفِ صَحَّ وَكَانَا لِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ عَقْدَيْنِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَذْلِ وَالْقَبُولِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مُخَالِفًا لِحُكْمِهِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ.

مثاله: أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ عَبْدًا وَيَسْتَأْجِرَ مِنْهُ دَارًا بِأَلْفٍ فَإِنْ فَصَلَ ثَمَنَ الْعَبْدِ مِنْ أُجْرَةِ الدَّارِ صَحَّ، وَكَانَا عَقْدَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ وَأَطْلَقَ الْأَلْفَ فِي الْأُجْرَةِ وَالثَّمَنِ، فَحُكْمُ الْعَقْدِ فِي الْإِجَارَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ فِي الْبَيْعِ لِعَدَمِ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ وَثُبُوتِهِ فِي الْبَيْعِ فَيَكُونُ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: صَحِيحٌ مِنْهُمَا وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعِ اخْتِلَافُ الْأَجْنَاسِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ اخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ فِيهِمَا جَمِيعًا، لِأَنَّ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِلَّا حُكْمٌ وَاحِدٌ مَتَى خَالَفَ بَعْضُهُ حُكْمَ بَعْضٍ تَنَاقَضَ، فَبَطَلَ كَمَا لَوِ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَاشْتَرَطَ خِيَارَ الثَّلَاثِ فِي أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِمَا.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلٍ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ دَارًا بِأَلْفٍ فَإِنْ فَصَلَ مَالَ الْكِتَابَةِ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، صَحَّتِ الْكِتَابَةُ لِتَمَيُّزِهَا، فَأَمَّا بَيْعُ الدَّارِ فَيَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ قَدَّمَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى لَفْظِ الْكِتَابَةِ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ صَحَّتِ الْكِتَابَةُ لِتَقَدُّمِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَهُوَ عَبْدٌ وَمَا يَبِيعُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ بَاطِلٌ.

وَإِنْ قَدَّمَ فِي الْعَقْدِ لَفْظَ الْكِتَابَةِ عَلَى لَفْظِ الْبَيْعِ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ بَدَأَ فَطَلَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>