دِيَةِ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَجُوسِيَّةً وَأَبُوهُ نَصْرَانِيًّا أَوْ أُمُّهُ نَصْرَانِيَّةً وَأَبُوهُ مجوسياً فدية الجنين في أكثر أبوابه نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ نَصْرَانِيٍّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْجَنِينِ النَّاقِصِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ النَّاقِصَةِ وَالْكَامِلُ مَا كَمُلَ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَقَدْ مَضَى، وَالنَّاقِصُ مَا نَقَصَ بِكُفْرٍ أَوْ رِقٍّ، فَإِذَا جَرَى عَلَى الْجَنِينِ حُكْمُ الْكُفْرِ لِكُفْرِ أَبَوَيْهِ لَمْ يَخْلُ حَالُ أَبَوَيْهِ مِنْ أَنْ تَتَّفِقَ دِيَتُهُمَا أَوْ تَخْتَلِفَ، فَإِنِ اتَّفَقَتْ دِيَاتُهُمَا فَكَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ أَوْ يَهُودِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ فِديَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ فَتَكُونُ قِيمَةُ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ بَعِيرًا وَثُلُثَيْنِ أَخْمَاسًا فِي الْخَطَأِ الْمَحْضِ، وَأَثْلَاثًا فِي عَمْدِ الْخَطَأِ؛ وَعَلَى مَذْهَبِ الْبَغْدَادِيِّينَ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ عُشْرُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، فَتَكُونُ قِيمَةُ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ ثُلُثُ بَعِيرٍ، وَعَلَى مَذْهَبِ الْبَغْدَادِيِّينَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَالْغُرَّةُ بِهَذِهِ الْقِيمَةِ مُعْوَزَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَدْرُ هُوَ المستحق فيها.
(فَصْلٌ)
وَإِنِ اخْتَلَفَتْ دِيَةُ أَبَوَيْهِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا نَصْرَانِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِأَغْلَظِ أَبَوَيْهِ دِيَةً وَهُوَ النَّصْرَانِيُّ أَبًا كَانَ أَوْ أَمَّا، فَتَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْجَنِينِ النَّصْرَانِيِّ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَوْضُوعَ الدِّيَةِ عَلَى التَّغْلِيظِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا بِأَغْلَظِهِمَا دِيَةً كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا، وَالْآخَرُ كَافِرًا اعْتُبِرَ فِيهِ دِيَةُ الْمُسْلِمِ دُونَ الْكَافِرِ تَغْلِيظًا، وَكَمَا يُعْتَبَرُ فِي الصَّيْدِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ بَيْنِ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ أَغْلَظُ حَالَيْهِ فِي إِيجَابِ الْجَزَاءِ وَتَحْرِيمِ الْأَكْلِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ كَمَالَ الدِّيَةِ أَصْلٌ فِي ضَمَانِ النُّفُوسِ فَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهَا إِلَّا الْمُتَحَقَّقُ دُونَ الْمُشْتَبَهِ وَالْمُتَحَقَّقُ مِنَ النُّقْصَانِ هُوَ حَالُ أَغْلَظِهِمَا دِيَةً، لِأَنَّ مَا دُونَهُ مُحْتَمَلٌ مُشْتَبَهٌ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْأَغْلَظِ الْأَعْلَى دُونَ الْأَقَلِّ الْأَدْنَى، وَاعْتِبَارُهُ عِنْدِي بِأَقَلِّهَا دِيَةً أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِالْأُصُولِ لِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ سُقُوطُ الْغُرْمِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الشَّرْعُ مِنْ حَالِ الْجَنِينِ فَلَمْ يُوجِبْ فِيهِ إِلَّا مَا تَحَقَّقْنَاهُ وَهُوَ الْأَقَلُّ دُونَ مَا شَكَكْنَا فِيهِ مِنَ الْأَكْثَرِ، وَلِذَلِكَ اعْتُبِرَتْ قِيمَةُ الْغُرَّةِ بِأَقَلِّ الدِّيَاتِ دُونَ أَكْثَرِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَمْ تُوجِبْ فِيهَا إِلَّا مَا تَحَقَّقْنَاهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكُفْرِ الْإِبَاحَةُ إِلَّا مَا حَظَرَتْهُ الذِّمَّةُ فَلَمْ يُعَلَّقْ بِالْحَظْرِ إِلَّا مَا تَحَقَّقْنَاهُ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ تَقَابَلَ فِيهِ إِيجَابٌ وَإِسْقَاطٌ، فَوَجَبَ أَنْ يُغَلَّبَ حُكْمُ الإسقاط على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute