للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِذَا عُلِمَ نَصِيبُ الْعَامِلِ وَرَبِّ الْمَالِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْعَامِلَ شَرِيكٌ فِي الثَّمَرَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَقَدْ خَرَجَ قَوْلٌ آخر أن أجير كالمضارب ويختص رب المال بتحمل الزكوة دون العامل، والأصح أنه شريك تجب الزكوة عَلَيْهِمَا إِنْ بَلَغَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا فَإِنْ كَانَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَقَلَّ مِنْ نصاب وجملة الثمرة نصاباً ففي وجوب الزكوة قَوْلَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْخِلْطَةِ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي هَلْ يَكُونُ كَالْخِلْطَةِ فِي الْمَوَاشِي.

فأما سواقط النخل عن السَّعَفِ وَالسَّرْخِ وَاللِّيفِ فَهُوَ لِرَبِّ النَّخْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَأْلُوفِ النَّمَاءِ، وَلَا مَقْصُودِ النَّخْلِ فَإِنْ شَرْطَهُ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا لَا يُشَارِكُهُ رَبُّ الْمَالِ فِيهِ، وَإِنْ شَرَطَاهُ بَيْنَهُمَا فَفِي الْمُسَاقَاةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: جَائِزَةٌ، لِأَنَّهُ نَمَاءٌ كَالثَّمَرَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَعْهُودِ النَّمَاءِ وَلَا مَقْصُودِهِ.

فَصْلٌ

: وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَجُوزُ إِطْلَاقُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقَدَّرَ بِمُدَّةِ مَعْلُومَةٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا قَدَّرَ لِأَهْلِ خَيْبَرَ مُدَّةً، وَقَالَ أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ.

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنْ قُدِّرَتْ بِمُدَّةٍ لَزِمَتْ إِلَى انْقِضَائِهَا وَإِنْ لَمْ تُقَدَّرْ بِمُدَّةٍ صَحَّتْ وَكَانَتْ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ لِأَنَّ مَا لَزِمَ مِنْ عُقُودِ الْمَنَافِعِ تَقَدَّرَتْ مُدَّتُهُ كَالْإِجَارَةِ.

فَإِذَا كَانَتِ الْمُدَّةُ الْمَعْلُومَةُ شَرْطًا فِيهَا فَأَقَلُّهَا مُدَّةٌ تَطَّلِعُ فِيهَا الثَّمَرَةُ وَتَسْتَغْنِي عَنِ الْعَمَلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّرَهَا بِذَلِكَ حَتَّى يُقَدِّرَهَا بِالشُّهُورِ الَّتِي قَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ بِأَنَّ الثِّمَارَ تَطَّلِعُ فِيهَا اطِّلَاعًا مُتَنَاهِيًا.

فَإِنْ تَأَخَّرَ اطِّلَاعُ الثَّمَرَةِ فِيهَا بِحَادِثٍ ثُمَّ اطَّلَعَتْ بَعْدَ تَقَضِّيهَا فَعَلَى الْأَصَحِّ مِنَ الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ الْعَامِلَ شَرِيكٌ تَكُونُ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُسَاقَاةِ قَبْلَ اطِّلَاعِهَا لِأَنَّ ثَمَرَةَ هَذَا الْعَامِ حَادِثَةٌ عَلَى مِلْكِهِمَا وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَإِنِ اسْتَحَقَّ الثَّمَرَةَ إِلَّا فِيمَا اخْتَصَّ بِالثَّمَرَةِ مِنْ تَأْبِيرٍ وَتَلْقِيحٍ، وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْقِطَاعِ الْعَمَلِ وَلَا يَسْتَهْلِكُ عَمَلَهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَيُحْكَمَ لَهُ حِينَئِذٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَأَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ فَيَأْتِي.

فَصْلٌ

: وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَاهُ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، فَيَقُولُ سَاقَيْتُكَ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْعُقُودِ سَبْعَةٌ مِنْ أَسْمَائِهَا لِيَنْتَفِيَ الِاحْتِمَالُ عَنْهَا.

فَإِنْ عَقَدَاهُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ بِأَنْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِلْعَمَلِ فِيهَا كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِيهَا لَا تَصِحُّ، فَإِذَا عَقَدَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ انْصَرَفَ إِلَيْهِمَا فَبَطَلَ. وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَاهُ بِوَاحِدَةٍ مِنَ اللَّفْظَتَيْنِ، وَقَالَ قَدْ عَامَلْتُكَ عَلَيْهَا بِالْعَمَلِ فِيهَا عَلَى الشَّرْطِ مِنْ ثَمَرِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ هَكَذَا يَكُونُ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ الْعَقْدُ، وَهَذَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>