فَصْلٌ
: فَأَمَّا إِذَا حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ مِكْتَلًا، أَوْ زِنْبِيلًا، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ تَغْطِيَةَ رَأْسِهِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ مَعَ قَصْدٍ وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ، لأن ما أوجب الفدية التَّغْطِيَةُ، أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّغْطِيَةَ كَالْمَوْتِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا فِدْيَةَ فِيهِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الرَّفَاهِيَةِ بِهِ، وَحَامِلُ الْمِكْتَلِ لَا يَتَرَفُّهُ بِتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ بِهِ، فَلَمْ يلزمه الفدية لأجله.
: إِذَا كَانَ الْمُحْرِمُ مُصَدَّعًا، فَشَدَّ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَتَرَ بِهَا رَأْسَهُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ فِي رَأْسِهِ جُرْحٌ فَوَضَعَ فِيهِ دَوَاءً، فَإِنْ شَدَّهُ بِخِرْقَةٍ، أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ قِرْطَاسًا، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتُرْهُ بِشَيْءٍ، اعْتُبِرَ حَالُهُ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَمْنَعُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الرَّأْسِ، فَفِيهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: وَإِذَا خَضَّبَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَا يَمْنَعُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الرَّأْسِ، فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: وَإِذَا غَسَلَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ، وَالسِّدْرِ فَلَا فدية عليه.
[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ وَلُبْسِ ثَوْبٍ مَخِيطٍ وَخُفَّيْنِ فَفَعَلَ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ بردٍ أَوْ حَرٍّ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَكَانِهِ كَانَتْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحَدَةٌ وَإِنْ فَرَّقَ ذَلِكَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ لِكُلِّ لبسةٍ فديةٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَخِيطَةِ، وَالْخُفَّيْنِ، وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، مَعْذُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ، لَكِنَّهُ إِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ فَقَدْ أَقْدَمَ عَلَى مَحْظُورٍ وَهُوَ بِذَلِكَ مَأْثُومٌ، وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا كَانَ مَا فعله مباحاً، ولم يكن يفعله دائماً لقوله تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) {الحج: ٧٨) وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالَيْنِ، لِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْفِدْيَةَ عَلَى الْمَرِيضِ، إِذَا حَلَقَ شَعْرَهُ مَعْذُورًا، وَالْجَزَاءَ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ وَإِنْ كَانَ فِي قَتْلِهِ مَعْذُورًا وَإِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا، لَمْ تَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أن يَتَكَرَّرَ مِنْهُ فِعْلُ مَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ، أَوْ لَا يَتَكَرَّرُ، فَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهُ الْفِعْلُ، فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِعْلُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كَاللِّبَاسِ، وَالطِّيبِ، وَحَلْقِ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمِ الظُّفْرِ، فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ إِتْلَافًا، كَأَنَّهُ حَلَقَ شَعْرَهُ، وَقَلَّمَ ظُفْرَهُ، وَقَتَلَ صَيْدًا، فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فِدْيَةٌ، سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ متوالياً، أو متفرقاً، كفر عن الأول، ولم يكفر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute