فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَقِيلَ لِمَنْ أَرَادَ الرَّدَّ: لَا حَقَّ لَكَ فِي الرَّدِّ إِلَّا أَنْ يَرُدَّ الْبَاقُونَ مَعَكَ، لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَبْعِيضُهَا عَلَى الْبَائِعِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَرَثَةِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِرَدِّ حِصَّتِهِ دُونَ شُرَكَائِهِ، لِأَنَّهُ يَرُدُّ جَمِيعَ مَا اسْتَحَقَّهُ بِالْعَقْدِ، فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُشْتَرِينَ صَفْقَةً.
هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْمُشْتَرِي.
أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْبَائِعُ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ورثته أن ينفرد، فيفسخ البيع فِي حِصَّتِهِ، لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ.
بِخِلَافِ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ إِذَا فَسَخَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْبَائِعِ فِي حِصَّتِهِ، ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْفَسْخِ فِي الْبَاقِي، لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ، فَأَمْكَنَهُ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي فَأَمْسَكَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ وَرَدَّ بَعْضُهُمْ، لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُثْبَتُ لَهُ بِذَلِكَ خِيَارٌ يُمُكِّنُهُ أَنْ يَدْفَعَ بِهِ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ.
فَصْلٌ:
إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الثَّلَاثِ، فَلَمْ يَعْلَمِ الْوَارِثُ حَتَّى مَضَتِ الثَّلَاثُ، سَقَطَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ، لِأَنَّ تَحْدِيدَ الْخِيَارِ بِالثَّلَاثِ يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِهِ بَعْدَ الثلاث.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ كَانَتْ بَهِيمَةً فَنتجَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ ثُمَّ تَفَرَّقَا، فَوَلَدُهَا لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الْعَقْدَ، وَقَعَ وَهُوَ حَمْلٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مِلْكُ الْمَبِيعِ بِمَاذَا يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُشْتَرِي؟ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ مَضَتْ.
وَالثَّانِي: فِي الْحَمْلِ، هَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ أَوْ يَكُونُ تَبَعًا؟
عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ تَبَعًا، وَلَا يَأْخُذُ مِنَ الثَّمَنِ قِسْطًا كَالسَّمْنِ وَالْأَعْضَاءِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ سَرَى الْعِتْقُ إِلَى حَمْلِهَا كَسِرَايَتِهِ إِلَى أَعْضَائِهَا التَّابِعَةِ لَهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ كَاللَّبَنِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ إِلَى أُمِّهِ، وَلَوْ كَانَ تَبَعًا لَهَا كَأَعْضَائِهَا لَسَرَى عِتْقُهُ إِلَيْهَا كَمَا يَسْرِي عِتْقُ أَعْضَائِهَا إِلَيْهَا.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ: فَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ بَهِيمَةً حَامِلًا، فَوَضَعَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ.
فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ، صَارَ الْعَقْدُ كَأَنَّهُ قَدْ تَنَاوَلَهُمَا مَعًا.
فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْأُمِّ.