للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إما أن يكون قبل موته أو بعده، أو شك هَلْ كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا تَرَاجُعَ، وَالزَّكَاةُ مجزئة، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ عِنْدَ وُجُوبِهَا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ: وَجَبَ اسْتِرْجَاعُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ، لِأَنَّ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ مَوْقُوفٌ بَيْنَ الإجزاء والاسترجاع، وذلك لا يجزي رَبَّ الْمَالِ، فَكَانَ لَهُ الِاسْتِرْجَاعُ، وَقَالَ أبو حنيفة لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِرْجَاعُهَا، بَلْ تَكُونُ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ، فَجَعَلَهَا مَوْقُوفَةً بَيْنَ الْإِجْزَاءِ عَنِ الفرض أو التطوع، وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إِسْقَاطُ الْفَرْضِ، فَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ وَجَبَ اسْتِرْجَاعُهَا، كَمَنْ دَفَعَهَا إِلَى رَجُلٍ ظَاهِرُهُ الْإِسْلَامُ فَبَانَ كَافِرًا، كَانَ لَهُ اسْتِرْجَاعُهَا، لِأَنَّ إِسْقَاطَ الْفَرْضِ الْمَقْصُودِ بِالدَّفْعِ لَمْ يَحْصُلْ، كَذَلِكَ فِيمَا عَجَّلَ وَإِنْ شَكَّ فِي مَوْتِهِ هَلْ كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَفِي جَوَازِ اسْتِرْجَاعِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تُسْتَرْجَعُ مِنْهُ اعْتِبَارًا بِالْيَقِينِ فِي التَّعْجِيلِ، لِأَنَّهُ متردد بين أن يموت بعد الحول فتجزي، وقبل الحول فلا تجزي، وَفَرْضُ الزَّكَاةِ لَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُسْتَرْجَعُ مِنْهُ اعْتِبَارًا بِالْيَقِينِ فِي الِاسْتِرْجَاعِ، لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ الْحَوْلِ فَتُسْتَرْجَعُ، وَبَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا تُسْتَرْجَعُ، وَمَا قَدْ ملك بالقبض فلا يجوز استرجاعها بالشك، فعلى هذا يجزي ذلك رب المال، لأنه الاسترجاع إذا لم يجب بالإخراج ثانية لا يَجِبْ، فَهَذَا الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الِاسْتِرْجَاعِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الِاسْتِرْجَاعِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ مَا تَعَجَّلَهُ لِلْفَقِيرِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا، فَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا قال الشافعي: يعود بمثله، فأطلق هذا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْتَحِقَّ الرُّجُوعَ فِي حَقِّ أَهْلِ السُّهْمَانِ، فَيَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِمِثْلِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ مُسْتَحَقٌّ بِمَا يَنْصَرِفُ فِي الزكاة والزكاة لا تنصرف فيها إلا غير الْحَيَوَانِ دُونَ قِيمَتِهِ، فَلَمْ يَجُزِ الرُّجُوعُ إِلَّا بِالْحَيَوَانِ دُونَ قِيمَتِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَحِقَّ الرُّجُوعَ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَعُودُ بِمِثْلِهِ حَيَوَانًا، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ الرِّفْقُ وَالْمُوَاسَاةُ، فَجَرَى مَجْرَى فَرْضِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُرْجَعُ فِيهِ بِالْمِثْلِ لَا بِالْقِيمَةِ.

وَالْوَجْهُ الثاني: وهو أقيس يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ، وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ يعود بمثله على ماله مِثْلٌ، فَإِذَا وَجَبَتِ الْقِيمَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَفِي اعْتِبَارِ زَمَانِ الْقِيمَةِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>