للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّسَبَ مَوْقُوفٌ عَلَى بلوغ الولد لينسب إلى أحدهما أخذ به الولد بعد البلوغ فَإِذَا انْتَسَبَ صَارَ لَاحِقًا بِمَنِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ مُنْتَفِيًا عَنِ الْآخَرِ فَلَوْ رَجَعَ فَانْتَسَبَ إِلَى الْآخَرِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِلُحُوقِهِ بِالْأَوَّلِ بِانْتِسَابِهِ الْأَوَّلِ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى الِانْتِسَابِ إِلَى أَحَدِهِمَا فَانْتَسَبَ بَعْدَ الْبُلُوغِ إِلَى غَيْرِهِمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّ الْقَافَةَ قَدْ وَقَفَتْهُ عَلَيْهِمَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْدِلَ بِالِانْتِسَابِ إِلَى غَيْرِهِمَا كَمَا لَوْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَسِبَ إِلَى غَيْرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ مِنْهُ وَيَصِيرُ مُلْحَقًا بِمَنِ انْتَسَبَ إليه لأن وقفته بَيْنَهُمَا لَا يَمْنَعُ دَعْوَى غَيْرِهِمَا.

فَصْلٌ:

وَإِذَا تداعيا بُنُوَّةَ اللَّقِيطِ رَجُلَانِ وَلَمْ يَسْبِقْ أَحَدَهُمَا بِدَعْوَاهُ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِوِلَادَتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ رَجَعَ فِيهِ إِلَى بَيَانِ الْقَافَةِ فَإِذَا أَلْحَقُوهُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَ بِهِ دُونَ الْآخَرِ.

وَقَالَ أبو حنيفة إِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً غَامِضَةً فِي جَسَدِ الْمَوْلُودِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى ذَلِكَ غَيْرُ الْوَالِدِ وَلَا يَرَاهُ الْوَالِدُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُدْفَعَ اللُّقَطَةُ بِالصِّفَةِ فَالنَّسَبُ أولى أن لا يثبت بالصفة.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوِ ادَّعَى اللَّقِيطَ رَجُلَانِ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ جَعَلْتُهُ لِلَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ أَوَّلًا وَلَيْسَ هَذَا كَمِثْلِ الْمَالِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا كَفَالَةَ اللَّقِيطِ دُونَ نَسَبِهِ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْتَقَطَهُ دُونَ صَاحِبِهِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا ادَّعَاهُ بَيِّنَةً وَالْبَيِّنَةُ هَا هُنَا شَاهِدَانِ لَا غَيْرَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى مَالٍ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ كَفَالَةٍ تَثْبُتُ بِهَا وِلَايَةٌ فَإِنْ شَهِدَتْ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لِأَحَدِهِمَا بتقديم يده كان المتقدم إِلَيْهِ أَوْلَاهُمَا بِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَيْسَ كَالْمَالِ لِأَنَّ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الْمَالِ إِذَا أَوْجَبَتْ بَيَّنَتَاهُمَا تقدم يد أحدهما كان فيه قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ إِلَيْهِ أَوْلَى كَالْمُتَنَازِعِينَ فِي الْكَفَالَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَيُقَدَّمُ فِي الْكَفَالَةِ مَنْ تَقَدَّمَتْ يَدُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَالَ قَدْ يَصِحُّ انْتِقَالُهُ بِحَقٍّ مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ فَجَازَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الْيَدُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْيَدُ الْمُتَأَخِّرَةُ وَالْكَفَالَةُ لَا يَصِحُّ انْتِقَالُ اللَّقِيطِ فِيهَا بِحَقٍّ مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا لِمُتَقَدِّمِ الْيَدِ، فَإِنْ تَعَارَضَتْ بَيَّنَتَاهُمَا أَوْ أَشْكَلَتَا لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيَسْتَحِقُّهُ مَنْ قرع.

والثاني: يسقطان ويتحالفا فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَّلَا فَقَدِ اسْتَوَيَا وَصَارَا كَالْمُلْتَقِطَيْنِ لَهُ مَعًا فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيَسْتَحِقُّهُ مَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا وَالثَّانِي يَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ فِي أَحَظِّهِمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>