أَدْرَكَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ مُضْطَرِبًا فَجَرَحَهُ فَيَحِلُّ بِتَوْجِيَةِ كَلْبِ الْمُسْلِمِ، وَلَا يَحْرُمُ لِمَا تَعَقَّبَهُ مِنْ جِرَاحِ كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ، كَالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ إِذَا أَكَلَ مِنْهَا سَبُعٌ لَمْ تَحْرُمْ، وَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةَ الْحَرَكَةِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَشْتَرِكَا فِي إِمْسَاكِهِ، وَيَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِقَتْلِهِ، فَيَحْرُمَ سَوَاءٌ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ أَوْ كَلْبُ الْمُسْلِمِ لِحُدُوثِ الْقَتْلِ عَنِ الْإِمْسَاكِ الْمُشْتَرَكِ.
وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِإِمْسَاكِهِ وَيَشْتَرِكَا فِي قَتْلِهِ، فَيَحْرُمَ سَوَاءٌ انْفَرَدَ بِإِمْسَاكِهِ كَلْبُ الْمُسْلِمِ أَوْ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مُشْتَرَكٌ.
وَالْقِسْمُ السَّادِسُ: أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِإِمْسَاكِهِ، وَيَنْفَرِدَ الْآخَرُ بِقَتْلِهِ، فَيَحْرُمَ سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ أَوْ كَلْبُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَمْسَكَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ وَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ، وَإِنْ أَمْسَكَهُ طلب الْمَجُوسِيِّ، وَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ بِإِمْسَاكِ كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ لَهُ قَدْ صَارَ مَقْدُورًا عَلَى ذَكَاتِهِ، فَلَمْ يَحِلَّ بِقَتْلِ كَلْبِ الْمُسْلِمِ لَهُ، فَاسْتَوَيَا فِي التَّحْرِيمِ، وَاخْتَلَفَا فِي التَّحْلِيلِ.
وَالْقِسْمُ السَّابِعُ: أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِمْسَاكِ، وَالْقَتْلِ دُونَ الْآخَرِ، فَيُنْظَرُ، فَإِنْ تَفَرَّدَ بِهِ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ حَرُمَ، وَإِنْ تَفَرَّدَ بِهِ كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَلَّ، سَوَاءٌ أَثَّرَ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ فِي إِعْيَائِهِ وَرَدِّهِ أَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَثَّرَ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ فِي إِعْيَائِهِ وَرَدِّهِ حَرُمَ كَمَا لَوْ أَمْسَكَهُ؛ لِتَأْثِيرِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مُبَاشَرَةٌ تُخَالِفُ حُكْمَ مَا عَدَاهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّيْدَ لَوْ مَاتَ بِالْإِعْيَاءِ فِي طَلَبِ الْكَلْبِ حَرُمَ، وَلَوْ مَاتَ بِإِمْسَاكِهِ حَلَّ، وَلَوْ طَلَبَهُ مُحْرِمَانِ، فَأَعْيَاهُ أَحَدُهُمَا وَأَمْسَكَ الْآخَرُ، فَمَاتَ كَانَ جَزَاؤُهُ عَلَى الْمُمْسِكِ دُونَ الْمُعْيِي، فَدَلَّ عَلَى افْتِرَاقِ الْحُكْمَيْنِ.
(فَصْلٌ:)
وَعَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ كَلْبَانِ: أَحَدُهُمَا مُعَلَّمٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، فَأَرْسَلَهُمَا عَلَى صَيْدٍ كَانَ كَاجْتِمَاعِ كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ وَكَلْبِ الْمُسْلِمِ عَلَى صَيْدٍ؛ لِأَنَّ مَا صَادَهُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي التَّحْرِيمِ كَالَّذِي صَادَهُ الْكَلْبُ الْمَجُوسِيّ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ كَلْبَانِ مُعَلَّمَانِ، فَأَرْسَلَ أَحَدَهُمَا، وَاسْتَرْسَلَ الْآخَرَ، كَانَ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ فِي الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْمُرْسَلِ حَلَالٌ، وَصَيْدَ الْمُسْتَرْسِلِ حَرَامٌ.
وَلَوْ أُشْكِلُ حُكْمُ الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، هَلْ هُوَ مُبَاحٌ لِإِبَاحَةِ نَفْسِهِ؟ أوجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ دُونَ التَّحْلِيلِ؛ لِأَنَّ الأصل في فوات الروح لحظر حَتَّى يُعْلَمَ بِهِ الْإِبَاحَةُ، فَإِنْ أَدْرَكَ هَذَا الصَّيْدَ بِشَكٍّ أَوْ يَقِينٍ، وَفِيهِ حَيَاةٌ، فَذَبَحَ نُظِرَ فِي الْحَيَاةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ قَوِيَّةً يَعِيشُ مَعَهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ حَلَّ أَكْلُهُ بِهَذَا الذَّبْحِ وَصَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute