عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِمُّ لِلْجُمْعَةِ فَاسْتُخْرِجَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، فَتَرَكَ الْجُمْعَةَ وَذَهَبَ إِلَى سَعِيدٍ.
فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْزُولًا بِهِ، وَكَانَ مَرِيضًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَرَضُ شَدِيدًا مُخَوِّفًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ، وَإِنْ كَانَ مَرَضًا شَدِيدًا فَإِنْ كَانَ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ عَنِ الْجُمْعَةِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ قَيِّمٌ أَمْ لَا، لِاخْتِصَاصِ الْوَلَدِ بِفَضْلِ الْبِرِّ، وَالْوَالِدِ بِفَضْلِ الْحُنُوِّ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ عَدَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَيِّمٌ بِأَمْرِهِ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ الْجُمْعَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ قَيِّمٌ سِوَاهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ ثَابِتٌ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ كَالْأَمْوَالِ: فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا، وَكَانَ بِالتَّأْخِيرِ عَاصِيًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بِهِ وَخَافَ مِنْ يَدِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَمَقَالِهِ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ عَنْهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى يَدِهِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَلَا الصُّلْحُ عَلَيْهِ، كَحَدِّ الزِّنَا، وَقَطْعِ السَّرِقَةِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ، وَعَلَيْهِ الْحُضُورُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَالصُّلْحُ عَلَيْهِ، وَالْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ، فَهَذَا عُذْرٌ فِي التَّأْخِيرِ، لِيَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَالٍ.
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: إِنَّ كُلَّ مَا كَانَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ كَانَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ عن الجمعة.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَمَنْ طَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ فَلَا يُسَافِرْ حَتَى يُصَلِّيَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. فَمَنْ أَرَادَ إِنْشَاءَ السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: حَالَانِ يَجُوزُ لَهُ إِنْشَاءُ السَّفَرِ فِيهِمَا، وَحَالٌ لَا يَجُوزُ لَهُ إِنْشَاءُ السَّفَرِ فِيهَا، وَحَالٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا.
فَأَمَّا الْحَالَانِ فِي جَوَازِ السَّفَرِ:
فَأَحَدُهُمَا: قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْيَوْمِ. وَالثَّانِيَةُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمْعَةِ لِيَقْضِيَ الْفَرْضَ، فَإِذَا بَدَأَ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ جَازَ.
وَأَمَّا الْحَالُ الَّتِي لَا يَجُوزُ لَهُ إِنْشَاءُ السَّفَرِ فِيهَا: فَهِيَ مِنْ وَقْتِ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يَفُوتَ إِدْرَاكُ الْجُمْعَةِ، لِتَعَيُّنِ فَرْضِهَا، وَإِمْكَانِ فِعْلِهَا.