وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الشَّرْطَ فِي ارْتِهَانِ مَا يَحْدُثُ مِنَ الثَّمَرَةِ وَالنِّتَاجِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ دُخُولُهُ فِي الرَّهْنِ بِغَيْرِ شَرْطٍ صَارَ رَهْنًا مَقْصُودًا فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرَّهْنِ إِنْ كَانَ مُفْرَدًا، فَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَمْتَنِعُ مِنْ تَخْرِيجِ الشَّرْطِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَيَقُولُ هُوَ بَاطِلٌ قَوْلًا وَاحِدًا.
وَمَا قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ لَيْسَ بِنَصٍّ صَرِيحٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الْعَبَّاسُ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِذَا قِيلَ بِصِحَّةِ الشَّرْطِ كَانَ الرَّهْنُ صَحِيحًا، وَالْبَيْعُ لَازِمًا، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ الْبَائِعِ.
وَإِذَا قِيلَ بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ فَفِي بُطْلَانِ الرَّهْنِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ، فَعَلَى هَذَا فِي الْبَيْعِ قَوْلَانِ.
وَالثَّانِي: جَائِزٌ فَعَلَى هَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ وَلَهُ مَا شَرَطَهُ مِنِ ارْتِهَانِ مَا يَحْدُثُ مِنْ ثَمَرَةٍ أَوْ نِتَاجٍ.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يُرَتِّبُ الْمَسْأَلَةَ غَيْرَ هَذَا التَّرْتِيبِ فَيُخَرِّجُ فِيهَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي إِسْحَاقَ أَرْبَعَةَ أَقَاوِيلَ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَلِيٍّ ثَلَاثَةَ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّرْطَ وَالرَّهْنَ فِي الْبَيْعِ جَائِزٌ كُلُّهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّرْطَ وَالرَّهْنَ فِي الْبَيْعِ بَاطِلٌ كُلُّهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالرَّهْنَ وَالْبَيْعَ جَائِزٌ وَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ الْمَيْمُونِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرَتِّبُ الْمَسْأَلَةَ تَرْتِيبًا ثَالِثًا وَيَقُولُ فِي الْبَيْعِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ فَعَلَى هَذَا الرَّهْنُ وَالشَّرْطُ أَبْطَلُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ فَعَلَى هَذَا فِي الرَّهْنِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ، فَعَلَى هَذَا الشَّرْطُ أَبْطَلُ.
وَالثَّانِي: جَائِزٌ، فَعَلَى هَذَا فِي الشَّرْطِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ وَلَهُ الْخِيَارُ.
والثاني: جاز وليس له خيار.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ صَحِيحًا، وَإِنْ بَطَلَ الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ جَازَا وَإِنْ بَطَلَ الرَّهْنُ.