للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ الْمَبِيعَ إِلَّا بِالْعَقْدِ وَقَطْعِ الْخِيَارِ، فَوَجْهُهُ شَيْئَانِ:

أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " كل بيعين فلا بيع بينهما، حتى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ " فَنَفَى الْبَيْعَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ بِالِافْتِرَاقِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ حُصُولَ الْمِلْكِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ مُوجَبِهِ، وَمُوجَبُ الْمِلْكِ جَوَازُ التَّصَرُّفِ، فَلَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي مَمْنُوعًا مِنَ التَّصَرُّفِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مُنْتَقَلٍ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى، فَوَجْهُهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ: وَهُوَ أَنَّ الْعَقْدَ يُثْبِتُ الْمِلْكَ، وَالْخِيَارَ يَنْفِي الْمِلْكَ وَأَمْرُهَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي إِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِقَطْعِ الْخِيَارِ عَنْ تَرَاضٍ، وَبَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ حُكْمُ الْخِيَارِ فِي نَفْيِ الْمِلْكِ بِالْفَسْخِ قَبْلَ تَقَضِّي الْخِيَارِ، فَصَارَ كَالْقَبْضِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَيَقِفُ تَصْحِيحُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقْبَضَهُ بَانَ صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَإِنْ تَلِفَ بَانَ فَسَادُ الْعَقْدِ، فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَالُ الْخِيَارِ، فَإِنْ تَقَضَّى عَنْ تَرَاضٍ، بَانَ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ، وَإِنْ تَقَضَّى عَنْ فَسْخٍ بَانَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ، وَأَنَّ الْمِلْكَ لِمَ يَنْتَقِلْ بِهِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَوْجِيهِ الْأَقْوَالِ:

فَالْجَوَابُ عَنْ عِتْقِ الْمُشْتَرِي فِي زَمَانِ الْخِيَارِ، مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ:

وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ الْبَائِعِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُشْتَرِي مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ. أَوْ يَفْسَخَهُ.

فَإِنْ أَمْضَى الْبَائِعُ الْبَيْعَ نَفَذَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَزْعُمُ إِنَّ الْمِلْكَ قَدِ انْتَقَلَ إِلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْمُشْتَرِي صَادَفَ مِلْكًا تَامًّا.

فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ، إِلَّا بِالْعَقْدِ وَالتَّفَرُّقِ، فَعِتْقُ الْمُشْتَرِي، بَاطِلٌ غَيْرُ نَافِذٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَلَفَّظَ بِالْعِتْقِ قَبْلَ مِلْكِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ ".

ثُمَّ الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ عِتْقَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَدِيمَ رِقَّهُ. وَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، بَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ ثلاثة:

<<  <  ج: ص:  >  >>