للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّ بَصَرَهُ لَمْ يَعُدْ، وَيَكُونُ الْجَانِي مَأْخُوذًا بِالْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ، فَإِنْ نَكَلَ الْوَلِيُّ حَلَفَ الْجَانِي وَبَرِئَ مِنْهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَذْهَبْ بَصَرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ وَذَهَبَ بَعْدَهَا نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَزَلْ عَلِيلَ الْعَيْنِ أَوْ شَدِيدَ الْأَلَمِ إِلَى أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَالظَّاهِرُ ذَهَابُهُ مِنَ الْجِنَايَةِ فَيَكُونُ الْجَانِي مَأْخُوذًا بِالْقَوَدِ فِيهِ أَوِ الدِّيَةِ كَالْمَجْرُوحِ إِذَا لَمْ يَزَلْ صَبِيًّا حَتَّى مَاتَ.

وَإِنْ بَرَأَتْ عَيْنُهُ وَزَالَ أَلَمُهَا ثُمَّ ذَهَبَ بَصَرُهَا كَانَ ذَاهِبًا مِنْ غَيْرِ الْجِنَايَةِ فِي الظَّاهِرِ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَوَدٌ وَلَا دِيَةٌ، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْإِحْلَافُ بِاللَّهِ لَقَدْ ذَهَبَ الْبَصَرُ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ إِنِ ادَّعَى ذَهَابَهُ منها.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ نَقَصَتْ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى اخْتَبَرْتُهُ بِأَنْ أَعْصِبَ عَيْنَهُ الْعَلِيلَةَ وَأُطْلِقَ الصَّحِيحَةَ وَأَنْصُبَ لَهُ شَخْصًا عَلَى رَبْوَةٍ أَوْ مُسْتَوًى فَإِذَا أَثْبَتَهُ بَعَّدْتُهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ بَصَرُهَا ثَمَّ أَذْرَعُ بَيْنَهُمَا وَأُعْطِيهِ عَلَى قَدْرِ مَا نَقَصَتْ عَنِ الصَّحِيحَةِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا، أَنْ يَجْنِيَ عَلَى إِحْدَى عَيْنَيْهِ فَيَذْهَبُ بِبَعْضِ بَصَرِهَا، فَيُمْكِنُ أَنْ يُخْتَبَرَ قَدْرُ الذَّاهِبِ مِنْهَا بِمَا وَصَفَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَعْصِيبِ عَيْنِهِ الْعَلِيلَةِ وَإِطْلَاقِ الصَّحِيحَةِ، وَنَصْبِ شَخْصٍ لَهُ مِنْ بُعْدٍ عَلَى رَبْوَةٍ مُرْتَفِعَةٍ أَوْ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ، فَإِذَا رَأَى الشَّخْصَ بُوعِدَ مِنْهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَبْعَدِ مَدَى رُؤْيَتِهِ الَّذِي لَا يَرَاهُ بَعْدَهَا، وَاخْتُبِرَ صِدْقُهُ فِي مَدَى الرُّؤْيَةِ بِالصَّحِيحَةِ بِأَنْ يُعَادَ الشَّخْصُ مِنْ جِهَاتٍ شَتَّى، وَلَوْ ضُمَّ إِلَى الشَّخْصِ بَعْدَ مَدَى رُؤْيَتِهِ شَخْصٌ آخَرُ يُخْتَبَرُ بِهِ صِدْقُهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ كَانَ أَحْوَطَ، لِأَنَّ قَصْدَهُ بُعْدَ مَدَى الْبَصَرِ بِالْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ، فَإِذَا أَوْثَقَ بِمَا قَالَهُ مِنْ هَذَا الِاخْتِبَارِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ مَدَى الْبَصَرِ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ واختلاف الأشخاص مسح قدر الْمَسَافَةَ، فَإِذَا كَانَتْ أَلْفَ ذِرَاعٍ عُلِمَ أَنَّهُ قَدْرُ مَدَى بَصَرِهِ مَعَ الصَّحِيحَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ عَمِلَ عَلَى الْأَقَلِّ احْتِيَاطًا ثُمَّ أُطْلِقَتِ الْعَلِيلَةُ الصَّحِيحَةُ، [فَإِنْ رَأَى الشَّخْصَ مِنْ مَدَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ بَصَرِ الْعَلِيلَةِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ قَرِّبَ مِنْهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلى حد يراه، وغرض في هذا تقليل مدى بَصَرِهِ بِالْعَلِيلَةِ كَمَا كَانَ غَرَضُهُ تَبْعِيدَ] مَدَى بَصَرِهِ بِالصَّحِيحَةِ لِيَكُونَ نُقْصَانُ مَا بَيْنَ الْبَصَرَيْنِ أَكْثَرَ فَيَكُونُ أَكْثَرَ فِيمَا تَسْتَحِقُّهُ مِنَ الدِّيَةِ، فَيَسْتَظْهِرُ عَلَيْهِ بِإِعَادَةِ الشَّخْصِ مِنْ جِهَاتٍ، وَيُحْتَسَبُ بِأَكْثَرَ مِمَّا قَالَهُ مِنْ مَدَى بَصَرِهِ بِالْعَلِيلَةِ كَمَا احْتُسِبَ بِأَقَلِّ مَا قَالَهُ مِنْ مَدَى بَصَرِهِ بِالصَّحِيحَةِ حَتَّى يَكُونَ أَقَلَّ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ لِيَشُكَّ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ بِالتَّصَنُّعِ لَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>