كلمٌ وَأَصَابَتْهُ جنابةٌ فَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَعَابَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَجَاءَ فَأَخْبَرَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَرْضُ يَتَغَيَّرُ بِلُحُوقِ الْمَشَقَّةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ التَّلَفِ كَالْمُسَافِرِ، وَيُفْطِرُ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ، وَالْمَرِيضِ يُفْطِرُ، وَتَرْكِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ لِلُحُوقِ الْمَشَقَّةِ فَلَأَنْ يَتَغَيَّرَ الْفَرْضُ لِخَوْفِ التَّلَفِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْلَى.
(فَصْلٌ: أَقْسَامُ الْمَرَضِ)
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ فِي الْمَرَضِ مَعَ وجود الماء فالمرض على أربعة أقسام:
- القسم الأول - أن لا يكون يُسْتَضَرُّ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهِ كَالْيَسِيرِ مِنَ الْحُمَّى. ووجع الضرس أو نفور الطِّحَالِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُدُ: يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) {المائدة: ٦) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ التَّيَمُّمَ فِي حَالَتَيْنِ مِنْ مَرَضٍ وَسَفَرٍ، فَلَمَّا جَازَ فِي قَلِيلِ السَّفَرِ وَكَثِيرِهِ، جَازَ فِي قَلِيلِ الْمَرَضِ وَكَثِيرِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِلُحُوقِ الْمَشَقَّةِ وَالْأَذَى وَخَوْفِ التَّلَفِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَإِذَا أَمِنَ مِنَ الْخَوْفِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ارْتَفَعَتِ الْإِبَاحَةُ، وَعَادَ إِلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ لَا يَسْتَضِرُّ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَيَمَّمَ كَالصَّحِيحِ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ إِطْلَاقِ الْآيَةِ فَهُوَ إِضْمَارُ الْفُرُوقِ فِيهَا، وَإِضْمَارُ الضَّرُورَةِ إِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الِاسْتِضْرَارِ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ السَّفَرِ فَهُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ يَجُوزُ فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إِلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ فِي السَّفَرِ عَدَمُ الْمَاءِ، فَاسْتَوَى حُكْمُ طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ فِي الْمَرَضِ حُدُوثُ الْأَذَى وَالِاسْتِضْرَارِ بِالْمَاءِ فَافْتَرَقَ حُكْمُ قليله وكثيرة.
[(فصل)]
: [القسم الثاني] : وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْمَرَضِ أَنْ يَخَافَ التَّلَفَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ سَوَاءً كَانَ قُرُوحًا أَوْ جِرَاحًا أَوْ كَانَ غَيْرَ قُرُوحٍ وَلَا جِرَاحٍ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إِلَّا مِنَ الْقُرُوحِ وَالْجِرَاحِ، وَأَمَّا مَا سِوَاهُ مِنْ شِدَّةِ الضَّنَا فَلَا، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى) {المائدة: ٦) وَلِأَنَّهُ مَرِيضٌ يَخَافُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ التَّلَفَ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ كَالْمَجْرُوحِ وَالْمَقْرُوحِ، فَإِذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ إذا صح وبرأ كالعادم سواء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute