وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ادِّخَارَهَا دَاعٍ إِلَى اسْتِعْمَالِهَا وَمَا دَعَا إِلَى الْحَرَامِ كَانَ حَرَامًا كَإِمْسَاكِ الْخَمْرِ لَمَّا كَانَ دَاعِيًا إِلَى تَنَاوُلِهَا كَانَ الْإِمْسَاكُ حَرَامًا.
فَصْلٌ
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: مِنَ الْأَوَانِي فَهُوَ مَا سِوَى أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا لَمْ يَكُنْ فَاخِرًا وَلَا ثَمِينًا " كَالصُّفْرِ " وَ " النُّحَاسِ " وَ " الرَّصَاصِ " وَ " الْخَشَبِ " وَ " الْحَجَرِ " فَاسْتِعْمَالُهَا جَائِزٌ إِذَا كانت طاهرة. وقد روي عن النبي - عليه السلام - أنه تؤضأ فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فَاخِرًا ثَمِينًا فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ كَثْرَةُ ثَمَنِهِ لِحُسْنِ صَنْعَتِهِ وَلِنَفَاسَةِ جَوْهَرِهِ كَأَوَانِي الزُّجَاجِ الْمُحْكَمِ وَالْبَلُّورِ الْمَخْرُوطِ فَاسْتِعْمَالُهَا حَلَالٌ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ الصَّنْعَةِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَهُوَ قَبْلَ الصَّنْعَةِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ كَثْرَةُ ثَمَنِهِ لِنَفَاسَةِ جَوْهَرِهِ كَالْعَقِيقِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ فَفِيهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الْمُبَاهَاةَ بِهَا أَعْظَمُ، وَالْمُفَاخَرَةَ فِي اسْتِعْمَالِهَا أَكْثَرُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا حَلَالٌ لِاخْتِصَاصِ خَوَاصِّ النَّاسِ بِمَعْرِفَتِهَا وَجَهْلِ أَكْثَرِ الْعَوَامِّ بِهَا، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ يَعْرِفُ قَدْرَهُمَا الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الطِّيبِ الرَّفِيعِ كَالْكَافُورِ الْمُرْتَفِعِ وَالْكَافُورِ الْمُصَاعِدِ، وَالْمَعْجُونِ مِنَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ فَتَخْرُجُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا بِحُصُولِ الْمُبَاهَاةِ وَالْمُفَاخَرَةِ بِهَا.
وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا لِانْصِرَافِ عَوَامِّ النَّاسِ عَنْهَا، فَأَمَّا غَيْرُ الْمُرْتَفِعِ مِنْهَا كَالصَّنْدَلِ وَالْمِسْكِ فاستعمالها جائز.
[مسألة]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَكْرَهُ الْمُضَبَّبَ بِالْفِضَّةِ لِئَلَّا يَكُونَ شَارِبًا عَلَى فِضَّةٍ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وهذا صحيح، اعْلَمْ أَنَّ الْمُضَبَّبَ بِالْفِضَّةِ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ التَّضْبِيبُ فِي جَمِيعِ الْإِنَاءِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهِ، فَإِنْ كَانَ التَّضْبِيبُ فِي جَمِيعِ الْإِنَاءِ حَتَّى قَدْ غَطَّى جَمِيعَهُ وَغَشَّى سَائِرَهُ فَاسْتِعْمَالُهُ حَرَامٌ كَالْمُصْمَتِ مِنْ أَوَانِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: اسْتِعْمَالُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إِنَاءٌ جَاوَرَتْهُ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا لَوْ أَخَذَ إِنَاءً بِكَفِّهِ وَفِيهَا خَاتَمٌ.