للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ فَالْمَقْتُولُ كَانَ كَامِلَ الْأَطْرَافِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَصَّ لَهُ مِنْ نَفْسٍ كَامِلَةِ الْأَطْرَافِ.

قِيلَ: كَمَالُ النُّفُوسِ لَا يُعْتَبَرُ بِكَمَالِ الْأَطْرَافِ، لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَوْ كَانَ كَامِلَ الْأَطْرَافِ وَالْمَقْتُولُ نَاقِصَ الْأَطْرَافِ قُتِلَ بِهِ مَعَ كَمَالِ أَطْرَافِهِ وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ نَاقِصَ الْأَطْرَافِ وَالْمَقْتُولُ كَامِلَ الْأَطْرَافِ قُتِلَ بِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي زِيَادَةِ أَطْرَافِهِ؛ لِأَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ وَإِنْ نَقَصَتْ أَطْرَافُهَا كَدِيَةِ النَّفْسِ وَإِنْ كَمُلَتْ أَطْرَافُهَا.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا ابْتَدَأَ الْجَانِي فَقَطَعَ أُصْبُع رَجُلٍ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَقَطَعَ مِنْ آخَرَ يَدَهُ الْيُمْنَى قُدِّمَ الْقِصَاصُ فِي الْأُصْبُع لِتَقَدُّمِ اسْتِحْقَاقِهِ، فَإِنِ اقْتَصَّ صَاحِبُ الْأُصْبُعِ مِنْهَا اقْتُصَّ بَعْدَهُ لِصَاحِبِ الْيَدِ وَقَدِ اقْتُصَّ مِنْ يَدٍ نَقَصَتْ أُصْبُعا بِيَدِهِ الْكَامِلَةِ فَيُرْجَعُ بَعْدَ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَانِي بِدِيَةِ أُصْبُع وَهِيَ عُشْرُ الدِّيَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ القِصَاصِ فِي النَّفْسِ إِذَا نَقَصَتْ أَطْرَافُهَا، لِأَنَّ الْكَمَالَ مُعْتَبَرٌ فِي تَكَافُؤِ الْأَطْرَافِ، وَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي تَكَافُؤِ النُّفُوسِ، لِأَنَّ دِيَةَ الْأَطْرَافِ مُسَاوِيَةٌ لِدِيَةِ النَّفْسِ الْكَامِلَةِ الْأَطْرَافِ، فَلَوْ عَفَا صَاحِبُ الْأُصْبُع عَنِ الْقِصَاصِ كَانَ لَهُ دِيَتُهَا وَقُطِعَ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَاهُ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ فِي يَدٍ كَامِلَةٍ بِيَدِهِ الْكَامِلَةِ، وَلَوْ تَرَتَّبَ الْقَطْعَانِ بِالضِّدِّ، فَبَدَأَ الْجَانِي فَقَطَعَ مِنْ رَجُلٍ يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ مِنْ آخَرَ أُصْبُعا مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى قَدَّمَ الْقِصَاصَ لِصَاحِبِ الْيَدِ عَلَى الْقِصَاصِ لِصَاحِبِ الْأُصْبُع، لِتَقَدُّمِ قَطْعِ الْيَدِ عَلَى قَطْعِ الْأُصْبُع اعْتِبَارًا بِالْأَسْبَقِ.

فَإِنْ قِيلَ فَهَلَّا قَدَّمْتُمُ الْقِصَاصَ فِي الْأُصْبُع، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَلَى الْقِصَاصِ فِي الْيَدِ لِيَسْتَوْفِيَ بِهِ الْحَقَّانِ كَمَا قَدَّمْتُمُ الْقِصَاصَ فِي الْيَدِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَلَى الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْحَقَّيْنِ؟

قِيلَ: لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ اعْتِبَارِ الْكَمَالِ فِي تَكَافُؤِ الْأَطْرَافِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِهِ فِي تَكَافُؤِ النُّفُوسِ، وَقَدِ اسْتَحَقَّ صَاحِبُ الْيَدِ بِكَمَالِ يَدِهِ الِاقْتِصَاصَ مِنْ يَدٍ كَامِلَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَصَّ لَهُ مِنْ يَدٍ نَاقِصَةٍ مَعَ إِمْكَانِ الِاقْتِصَاصِ مِنْهُمَا وَهِيَ كَامِلَةٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَاقْتَصَّ صَاحِبُ الْيَدِ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِصَاحِبِ الْأُصْبُع وَرَجَعَ بِدِيَتِهَا، وَإِنْ عَفَا صَاحِبُ الْيَدِ عَنِ الْقِصَاصِ رَجَعَ بِدِيَتِهَا وَاقْتُصَّ لِصَاحِبِ الْأُصْبُع، وَهَكَذَا قَطْعُ الْأُنْمُلَةِ، مِنْ رَجُلٍ وَقَطْعُ تِلْكَ الْأُصْبُع مِنْ آخَرَ يَكُونُ عَلَى قِيَاسِ الْأُصْبُع مَعَ الْكَفِّ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الْمُزَنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فَإِنْ مَاتَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْأَوَّلُ بَعْدَ أَنِ اقْتَصَّ مِنَ اليَدِ فَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عِنْدِي أَنَّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ فِي مَالِ قَاطِعِهِ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ قَدِ اسْتَوْفَى قَبْلَ مَوْتِهِ مَا فِيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ بِاقْتِصَاصِهِ بِهِ قَاطِعَهُ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>