[كتابه الحربي]
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (إِذَا كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ أُثْبِتُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْدَثَ لَهُ قَهْرًا فِي إِبْطَالِ كِتَابَتِهِ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ يَمْلِكُونَ مِلْكًا صَحِيحًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَمْلِكُونَ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يملكون ملكا ضعيف، وَلِلْكَلَامِ عَلَيْهَا مَوْضِعٌ قَدْ تَقَدَّمَ، وَفِي قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: ٢٧] دَلِيلٌ كَافٍ، لِأَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ إِضَافَةَ مِلْكٍ تَامٍّ.
وَإِذَا ثَبَتَ مِلْكُ الْحَرْبِيِّ، فَكَاتَبَ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ صَحَّتْ كِتَابَتُهُ، لِأَنَّ الكتابة عتق بعرض يَمْلِكُ الْحَرْبِيُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَمَلَكَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ بِمُكَاتَبِهِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَتِ الْكِتَابَةُ بِحَالِهَا، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا فِيهَا مَا لَمْ يَتَرَافَعَا فِيهَا إِلَيْنَا، فَإِنْ تَرَافَعَا إِلَيْنَا اعْتَبَرْنَاهَا، فَإِنْ عُقِدَتْ بِمَا تَصِحُّ بِهِ كِتَابَةُ الْمُسْلِمِ حُكِمَ بِصِحَّتِهَا، وَإِنْ عُقِدَتْ بِمَا لَا تَصِحُّ بِهِ كِتَابَةُ الْمُسْلِمِ حُكِمَ بِفَسَادِهَا.
فَصْلٌ
فَأَمَّا إِذَا أَحْدَثَ لَهُ السَّيِّدُ قَهْرًا أَبْطَلَ بِهِ كِتَابَتَهُ، رُوعِيَ حَالُ قَهْرِهِ وَإِبْطَالِهِ لِكِتَابَتِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ نَفَذَ حُكْمُ قَهْرِهِ، وَبَطَلَ مَا عَقَدَهُ مِنْ كِتَابَتِهِ، لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ إِبَاحَةٍ وَمَنْ تَغَلَّبَ فِيهَا عَلَى شَيْءٍ مَلَكَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدًا لَوْ تَغَلَّبَ عَلَى سَيِّدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاسْتَرَقَّهُ، وَدَخَلَ بِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ، وَصَارَ الْعَبْدُ حُرًّا مَالِكًا
لِسَيِّدِهِ، والسيد مملوكا لعبده؟ كذلك عليه السَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ، وَإِبْطَالُهُ لِكِتَابَتِهِ تَشَارُكٌ عَلَى تَغْلِيبِهِ وَقَهْرِهِ، فَإِذَا دَخَلَا بَعْدَ ذَلِكَ دَارَ الْإِسْلَامِ أُقِرَّا عَلَى مَا خَرَجَا عَلَيْهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَبَطَلَتِ الْكِتَابَةُ وَلَمْ يُعْتَقْ فِيهَا بِالْأَدَاءِ، وَإِنْ دَخَلَا دَارَ الْإِسْلَامِ وَهُمَا عَلَى الْكِتَابَةِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ السَّيِّدُ فِيهَا فَسْخَ الْكِتَابَةِ غَلَبَةً وَقَهْرًا لَمْ تَنْفَسِخْ، وَكَانَتْ عَلَى لُزُومِهَا، وَيُؤْخَذُ السَّيِّدُ بِحُكْمِهَا بِخِلَافِ فِعْلِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ دَارَ عَدْلٍ وَأَمَانٍ، وَدَارَ الْحَرْبِ دَارُ غَلَبَةٍ وَقَهْرٍ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (مَنَعَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ مَا فِيهَا، وَأَبَاحَتْ دَارُ الشرك ما فيها) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute