وَرُوِيَ أَنَّ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا.
وَرَوَى نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ الله بن عمر قَطَعَ يَدَ غُلَامٍ لَهُ سَرَقَ، وَرُوِيَ أَنَّ أبا بردة جلد وليدة له زنت.
وروي أن مقرن سال ابن مسعود عَنْ أَمَةٍ لَهُ زَنَتْ فَقَالَ اجْلِدْهَا.
وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قال: كان الأنصار عند رأس الحول يخرجون من زنا مِنْ إِمَائِهِمْ فَيَجْلِدُونَهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَلَا يُعْرَفُ لهم مخالف فثبت أَنَّهُ إِجْمَاعٌ. وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّ لِلْإِمَامِ حَقَّ الولاية وللسيد حق الملك فيجمع بينهما إحدى علتين:
إحدهما: أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ تَزْوِيجَهَا مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ مَلَكَ حَدَّهَا كَالْإِمَامِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ فِي رقبته ملك إقامة الحد على يديه كَالْإِمَامِ، وَلِأَنَّ تَصَرُّفَ السَّيِّدِ فِي عَبْدِهِ أَعَمُّ، وعقوده فيه أتم من الإمام المتفرد بنظر الولاية فَكَانَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ أَحَقُّ، وَخَالَفَ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَا نَظَرَ لَهُ فِيهِ وَلَا حَقَّ، وَخَالَفَ الْحُرُّ الَّذِي لَا وِلَايَةَ لَهُ إِلَّا لِلْإِمَامِ، وَخَالَفَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِمَا فَلَمْ تَصِحَّ الْوِلَايَةُ مِنْهُمَا، وَسَنَذْكُرُ فِي حُكْمِ الْبَيِّنَةِ وَالسَّرِقَةِ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ مَا يَكُونُ جَوَابًا وَانْفِصَالًا.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ لِلسَّيِّدِ إِقَامَةُ الْحَدِّ على عبيده وإمائه فَالْكَلَامُ فِيهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا: فِي السَّيِّدِ الَّذِي يَمْلِكُ إِقَامَةَ الْحُدُودِ.
وَالثَّانِي: فِيمَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ.
وَالثَّالِثُ: فِيمَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقِيمَ بِهِ الْحُدُودَ.
فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ السَّيِّدُ الَّذِي يَمْلِكُ إِقَامَةَ الْحُدُودِ فَهُوَ مَنِ اسْتُكْمِلَتْ فِيهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: جَوَازُ الْأَمْرِ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالرُّشْدِ؛ لأن من لم ينفذ مرة في حق نفسه فأولى أن يَنْفُذَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، أو مجنوناً، أو سفيهاً لم يملك إمامة الْحَدِّ، فَإِنْ أَقَامَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ كَانَ تَعَدِّيًا مِنْهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَلَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ بِجَلْدِهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا.
فَفِي جَوَازِ إِقَامَتِهِ لِلْحَدِّ عَلَى عَبْدِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِوِلَايَةٍ تَنْتَفِي مَعَ الْفِسْقِ.