أحدهما: أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ فَيَأْخُذُهُ الْغَاصِبُ كُلَّهُ.
والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنَ الْقِيمَةِ فَيَأْخُذُ الْغَاصِبُ مِنْهُ قَدْرَ الْقِيمَةِ وَيَكُونُ الْفَاضِلُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا.
والحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَقَلَّ من الْقِيمَةِ فَيَأْخُذُهُ الْغَاصِبُ وَيَكُونُ الْعَجْزُ عَائِدًا عَلَيْهِ لِضَمَانِهِ نَقْصَ الْغَصْبِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَتَّفِقَ الْغَاصِبُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى أَخْذِ الْعِوَضِ عَنِ الْعَبْدِ فَهَذَا بَيْعٌ مَحْضٌ كَعَبْدٍ رَأَيَاهُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَرَيَاهُ فِي حَالِ الْعَقْدِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ رُؤْيَتِهِمَا لَهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً فَإِنْ كَانَتْ رؤيتهما له قَرِيبَةً جَازَ أَنْ يَتَعَاقَدَا عَلَيْهِ بِمَا يَتَرَاضَيَا بِهِ فِي ثَمَنِهِ وَإِنْ كَانَتْ رُؤْيَتُهُمَا لَهُ بَعِيدَةً لَمْ يَخْلُ حَالُهُمَا مِنْ أَنْ يَكُونَا ذَاكِرَيْنِ لِأَوْصَافِهِ أَوْ نَاسِيَيْنِ فَإِنْ نَسِيَا أَوْصَافَهُ كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِشَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَا ذَاكِرِينَ لِأَوْصَافِهِ فَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَوْلَانِ، لِجَوَازِ تَغَيُّرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ بِطُولِ الْمُدَّةِ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَوْلًا وَاحِدًا فَهَذَا حُكْمُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ إِذَا كَانَ رَدُّهُ مُمْكِنًا.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَدُّهُ مُمْتَنِعًا لِلْجَهْلِ بِمَكَانِهِ فَيُؤْخَذُ الْغَاصِبُ جَبْرًا بِقِيمَتِهِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إِلَى فَوَاتِ الرَّدِّ فَإِذَا أَخَذَهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَفِي اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا وجهان لأصحابنا:
أحدهما: أن يكون ملكه عليها مستقراً لفوات الرد.
والوجه الثاني: مراعاً لِجَوَازِ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ فَإِنْ وُجِدَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ أَخْذِ قِيمَتِهِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ بَاقٍ على ملك المغصوب منه بأخذه ويرد مَا أَخَذَ مِنْ قِيمَتِهِ وَقَالَ أبو حنيفة يَكُونُ الْعَبْدُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ قِيمَتِهِ مَا لَمْ يَكُونَا قَدْ تَكَاذَبَا فِي قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَا قَدْ تَكَاذَبَا فِيهَا وَأَقَرَّ الْغَاصِبُ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَحَلَفَ عَلَيْهَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَحَقَّ بِالْعَبْدِ حِينَئِذٍ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الْبَدَلَ إِذَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ مُبْدَلٍ كَانَ اسْتِحْقَاقُ البدل موجباً لتلك المبال كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ لَمَّا اسْتُحِقَّ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ تَمَلَّكَ الْمُثَمَّنَ وَلِمَا اسْتُحِقَّ عَلَى الزَّوْجِ الْمَهْرُ مَلَكَ الْبُضْعَ كَذَلِكَ الْغَصْبُ لَمَّا مَلَكَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْقِيمَةَ مَلَكَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مُرْتَفِعٌ فِي الْأُصُولِ وَفِي بَقَاءِ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْعَبْدَ بَعْدَ أَخْذِ قِيمَتِهِ جَمْعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَدَلِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَالْبَائِعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ مِلْكُ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَالزَّوْجَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ لَهَا الْمَهْرُ وَالْبُضْعُ وَلِأَنَّ مَا أُخِذَتْ قِيمَتُهُ لِلْمَغْصُوبِ امْتَنَعَ بَقَاؤُهُ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ قِيَاسًا عَلَى مَا أَمْكَنَ رَدُّهُ. وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute