(النساء: ٢٩) فَمَا خَرَجَ عَنِ التَّرَاضِي خَرَجَ عَنِ الْإِبَاحَةِ فِي التَّمْلِيكِ وَرَوَى قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي ". فَجَعَلَ الْأَدَاءَ غَايَةَ الْأَخْذِ فَاقْتَضَى عُمُومُ الظَّاهِرِ اسْتِحْقَاقَهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَلِأَنَّ قُدْرَةَ الْمُعَاوِضِ عَلَى مَا عَاوَضَ عَلَيْهِ أَوْلَى بِصِحَّةِ تُمَلُّكِهِ مِنَ الْعَجْزِ عَنْهُ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ فَكَتَمَهُ وَبَذَلَ قِيمَتَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَإِذَا بَذَلَهَا مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَهُ وَيَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُمَلَّكْ بِالْقِيمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُمَلَّكَ بِالْقِيمَةِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ إِذَا كَانَتِ الْقِيمَةُ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ كَانَتْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَلَمْ تُقْبَضْ.
وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُمَلَّكْ بِالْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ لَمْ يُمَلَّكْ بِالْقِيمَةِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ قِيَاسًا عَلَى الْمَكْتُومِ. ولأن تملك الشيء عن رضى مَالِكِهِ أَشْبَهُ بِالصِّحَّةِ مِنْ تَمَلُّكِهِ بِكُرْهِ مَالِكِهِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا الْآبِقَ عَنْ تَرَاضٍ لَمْ يُمَلِّكْهُ فَأَوْلَى إِذَا صَارَ إِلَى قِيمَتِهِ مَعَ الْإِكْرَاهِ أَنْ لَا يُمَلَّكَ وَيَتَحَرَّرُ مِنَ اعْتِلَالِهِ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ مِنْ غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُمَلَّكَ كَالْبَيْعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا لَمْ يُمَلَّكْ بِثَمَنِ المرضاة فَأَوْلَى أَنْ لَا يُمَلَّكَ بِقِيمَةِ الْإِكْرَاهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ إِذَا وَجَدَهَا الْغَاصِبُ بَعْدَ دَفْعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ أَبْلَغُ فِي صِحَّةِ التَّمْلِيكِ مَا لَمْ يُنَفَّذْ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ فَلَمَّا كَانَ أَخْذُ الْقِيمَةِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ عِنْدَ تَكَاذُبِهِمَا فِيهَا وَإِحْلَافِ الْغَاصِبِ عَلَيْهَا لَا يُوجِبُ تَمْلِيكَ الْمَغْصُوبِ فَأَوْلَى إِذَا تَجَرَّدَتْ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهَا مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ أَنْ لَا يُوجِبَ تَمَلُّكَ الْمَغْصُوبِ. وَيَتَحَرَّرُ مِنَ اعْتِلَالِهِ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا غَرَامَةُ إِتْلَافٍ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنَ الْمِلْكِ قِيَاسًا عَلَى أَخْذِهَا بِحُكْمٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا لَمْ يُمَلَّكْ بِالْغُرْمِ عَنْ حُكْمٍ لَمْ يُمَلَّكْ بِالْغُرْمِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ قِيَاسًا عَلَى التَّالِفِ قَبْلَ الْغُرْمِ وَلِأَنَّ كُلَّ بَدَلٍ جَازَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ لِفَقْدِ مُبْدَلِهِ كَانَ وُجُودُ الْمُبْدَلِ مَانِعًا فِي التَّصَرُّفِ فِي بَدَلِهِ كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَآكِلِ الْمَيْتَةِ إِذَا وَجَدَ الطَّعَامَ وَلِأَنَّ كُلَّ بَدَلٍ وَجَبَ بِفَوَاتٍ مُبْدَلٍ كَانَ عُودُ الْمُبْدَلِ مُوجِبًا لِسُقُوطِ الْبَدَلِ قِيَاسًا عَلَى الْجَانِي عَلَى عَيْنٍ فَابْيَضَّتْ ثُمَّ زَالَ بَيَاضُهَا أَوْ عَلَى يَدٍ فَشَلَّتْ ثُمَّ زَالَ شَلَلُهَا وَلِأَنَّ مَا أَوْجَبَ مِلْكَ بَدَلِهِ تَمْلِيكُ مُبْدَلِهِ كَانَ امْتِنَاعُ مِلْكِ الْمُبْدَلِ مُبْطِلًا لِمِلْكِ الْبَدَلِ كَالْبَيْعِ لَا يُمَلَّكُ بِهِ ثَمَنُ أُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا لَا تُمَلَّكُ وَيُمَلَّكُ بِهِ ثَمَنُ غَيْرِهَا فما يُمَلَّكُ فَلَمَّا اسْتَوَى فِي الْغَصْبِ بَدَلُ مَا يَجُوزُ أَنْ يُمَلَّكَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَلَّكَ مِنَ الْأَوْقَافِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ دَلَّ على أن ملك البدل فيمن لَا يُوجِبُ تَمْلِيكَ مُبْدَلِهِ وَبِهَذَا يَكُونُ الِانْفِصَالُ عَنْ دَلَائِلِهِمْ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ مُقْنِعًا ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْبَيْعِ الَّذِي جَعَلُوهُ أَصْلًا فِي الِاسْتِدْلَالَيْنِ أن اليمن فِيهِ مَوْضُوعٌ لِلتَّمْلِيكِ وَالْقِيمَةَ فِي الْغَصْبِ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلتَّمْلِيكِ أَلَا تَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute