للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَخْرَجَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْحَثِّ والترغيب كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَضَلَلْتُمْ " كَالْجَوَابِ عَنِ الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ " فَمَحْمُولٌ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا صَلَاةَ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي مَسْجِدِهِ

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمَقْصُودُهُ بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى فَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ لَهَا، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْجُمُعَةِ فَالْمُخَالِفُ يُبْطِلُ الْقِيَاسَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْجُمُعَةِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ لَهَا؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا، وَلَمَّا لَمْ تَكُنِ الْجَمَاعَةُ مِنْ شَرْطِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَمْ تَكُنِ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةً لَهَا

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَى الْأَعْيَانِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهِمَا وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: هُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَدَلِيلُنَا مَا تَقَدَّمَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَطْبَقَ أَهْلُ بَلَدٍ، أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فَقَدْ أساؤا بِتَرْكِهَا، وَلَمْ يَأْثَمُوا وَيُؤْمَرُوا بِهَا، وَيُؤَاخَذُوا عَلَى تَرْكِهَا

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَغَيْرِهِمَا أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا مِن ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ لَمْ تُقَمْ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، عليكم بالجماعة وإن الذثب يَأْخُذُ الْقَاصِيَةَ " فَعَلَى هَذَا إِنْ أَجْمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا فَقَدْ عَصَوْا وَأَثِمُوا بِقُعُودِهِمْ عَنْهَا، وَوَجَبَ عَلَى السُّلْطَانِ قِتَالُهُمْ عَلَى تَرْكِهَا وَإِنْ قَامَ بِفِعْلِهَا مَنْ تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ مِنْهُمْ وَانْتَشَرَ ظُهُورُهَا بَيْنَهُمْ سَقَطَ فَرْضُ الْجَمَاعَةِ عَنْهُمْ، فَإِذَا كَانَتْ قَرْيَةً صَغِيرَةً، وَأُقِيمَتِ الْجَمَاعَةُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَانْتَشَرَتْ وَظَهَرَتْ سَقَطَ الْفَرْضُ، وَكَانَ لِبَاقِي أَهْلِهَا أَنْ يُصَلُّوا مُنْفَرِدِينَ وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ وَاسِعًا لَمْ يَسْقُطِ الْفَرْضُ بِإِقَامَتِهَا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَلَا بِإِقَامَتِهَا فِي الْمَنَازِلِ وَالْبُيُوتِ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا، وَانْتِشَارِهَا، حَتَّى تُقَامَ فِي عِدَّةِ مَسَاجِدَ تَظْهَرُ بِهَا الْجَمَاعَةُ وَتَنْتَشِرُ فَيَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنِ الْبَاقِينَ وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلُّوا مُنْفَرِدِينَ

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ جَمَعَ فِي بَيْتِهِ أَوْ مَسْجِدٍ وَإِنْ صَغُرَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَالْمَسْجِدُ الْأَعْظَمُ، وَحَيْثُ كَثُرَتِ الْجَمَاعَاتُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ "

<<  <  ج: ص:  >  >>