الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: نَعَمْ، رَهَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى فرسٍ لَهُ، فَجَاءَتْ سَابِقَةً، فَلَهَشَّ لِذَلِكَ، وَأَعْجَبَهُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى عِوَضٍ، وَلِأَنَّ فِي بَذْلِ الْعِوَضِ عَلَيْهِ تَحْرِيضًا عَلَى الْجِهَادِ، وَبَعْثًا عَلَى الِاسْتِعْدَادِ، وَامْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ) {الأنفال: ٦٠) وَمَا أَفْضَى إِلَى هَذِهِ الْمَصَالِحِ، فَأَقَلُّ حَالَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ، بِأَنَّهُ لَعِبٌ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ اللَّعِبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدِ اسْتَثْنَاهُ، فَقَالَ: " كُلُّ اللَّعِبِ حرامٌ إِلَّا لَعِبَ الرَّجُلِ بِفَرَسِهِ وَلَعِبَهُ بِقَوْسِهِ، وَلَعِبَهُ مَعَ زَوْجَتِهِ ".
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهُ قِمَارٌ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ السَّبْقَ خَارِجٌ عَنِ الْقِمَارِ؛ لِأَنَّ الْقِمَارَ مَا لَمْ يَخْلُ صَاحِبُهُ من أخذ أو إعطاء، وقد يخلو المسابق مِنْ أَخْذٍ وَإِعْطَاءٍ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا.
وَالثَّانِي: أَنَّ تَحْرِيمَ الْقِمَارِ بِالشَّرْعِ، وَإِبَاحَةِ السَّبَقِ بِالشَّرْعِ، فَلَوْ جَازَ إِلْحَاقُ السَّبَقِ بِالْقِمَارِ مِنَ التَّحْرِيمِ لِجَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْحِقَ الْقِمَارَ بِالسَّبْقِ فِي التَّحْلِيلِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا فِي إِبَاحَةِ الْقِمَارِ فَاسِدًا، أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي تَحْرِيمِ السَّبْقِ فَاسِدًا، وَلَزِمَ الْوُقُوفُ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فِيهِمَا.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا صَحَّ جَوَازُ السَّبْقِ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ، فَهُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، دُونَ اللَّازِمَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعْقُودًا عَلَى عِوَضٍ، فَفِي لُزُومِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ كَالْإِجَارَةِ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بِقِسْمَةٍ وَلَا يَدْخُلُهُ خِيَارُ الثَّلَاثِ، وَفِي دُخُولِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهِ وَجْهَانِ.
كَالْإِجَارَةِ، فَإِنْ شَرَعَا فِي السَّبَقِ وَالرَّمْيِ يَسْقُطُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْعَمَلِ رِضًى بِالْإِمْضَاءِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ دُونَ اللَّازِمَةِ، كَالْجُعَالَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسَابِقِينَ قَبْلَ الشُّرُوعِ مِنَ السَّبْقِ، وَبَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ السَّبْقُ، وينبرم بالخيار.