بَعْدَ الْإِرْثِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ اعْتُدَّ بِهِ، لِأَنَّ الْمَوْرُوثَ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ، لِأَنَّهُ لَا يَدَ عَلَيْهِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ.
وَقِسْمٌ ثَالِثٌ: يُخْتَلَفُ فِيهِ وَهُوَ الِابْتِيَاعُ فَالَّذِي ذَكَرَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ، أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالِاسْتِبْرَاءِ فِيهِ إِلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِالِاسْتِبْرَاءِ فِيهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالتَّفْرِيقِ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْرُوثَةِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ هُوَ الْمَنْعُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا بَعْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ لِيُعْلَمَ بِهِ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالَّذِي يَكُونُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي اسْتِبْرَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَيُوضَعُ الْحَمْلُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الشُّهُورِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تُسْتَبْرَأُ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ.
وَالثَّانِي: بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.
وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِقُرْءٍ وَاحِدٍ، وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ هَاهُنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْحَيْضُ فَتَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِحَيْضَةٍ كَامِلَةٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ " ثُمَّ تَحِيضُ حَيْضَةً مَعْرُوفَةً " يَعْنِي كَامِلَةً، وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ وَعِدَّةِ الْحُرَّةِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ ثَانٍ ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِ بِالطُّهْرِ كَالْحُرَّةِ وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ هَاهُنَا: " ثُمَّ تَحِيضُ حَيْضَةً مَعْرُوفَةً " لِيَقْوَى بِهَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الطُّهْرِ الَّذِي لَمْ يَكْمُلْ، وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَصْرِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ مُعْتَبَرٌ مَقْصُودُهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَفَرَّدَ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ جُمِعَ فِيهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ تَقْوِيَةً لِحُكْمِهِ، وَزِيَادَةً فِي الِاسْتِظْهَارِ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنِ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا عَلَى اخْتِلَافِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ مَا أَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَبَاعَدَ حَيْضُهَا كَانَتْ فِي حُكْمِ الْحُرَّةِ إِذَا تَبَاعَدَ حَيْضُهَا فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ كَانَ لِعِلَّةٍ مَكَثَتْ حَتَّى تَحِيضَ فَتَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا بِقُرْءٍ أَوْ تَبْلُغَ زَمَانَ الْإِيَاسِ فَتَسْتَبْرِئَ بشهر في أحد القولين وبثلاثة اشهر من الْقَوْلِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: إِنَّهَا تَتَرَبَّصُ بِنَفْسِهَا غَالِبَ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَسْتَبْرِئُ بِالشُّهُورِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَتَرَبَّصُ بِنَفْسِهَا مُدَّةَ أَكْثَرِ الْحَمْلِ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَسْتَبْرِئُ بِالشُّهُورِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّهَا تَسْتَبْرِئُ تَتَرَبَّصُ بِنَفْسِهَا أَبَدًا حَتَّى تَبْلُغَ زَمَانَ الْإِيَاسِ ثُمَّ تَسْتَبْرِئُ بِالشُّهُورِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ من حالين:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute