للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب ما يفسد الماء)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " إِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ نُقْطَةُ خمرٍ أَوْ بولٍ أَوْ دمٍ أَوْ أَيِّ نجاسةٍ كَانَتْ مِمَّا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فَسَدَ الْمَاءُ، وَلَا تُجْزِئُ بِهِ الطَّهَارَةُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ النَّجَاسَةَ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَضَرْبٌ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، فَأَمَّا مَا لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فَمِثْلُ الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَالْغَائِطِ، فَتَوَقِّي يَسِيرِهِ وَكَثِيرِهِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو حَالُ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ يدركه الطرف فإن كان مما يدركها الطَّرْفُ، فَقَدْ نَجُسَ مِمَّا حَصَلَتْ فِيهِ هَذِهِ النَّجَاسَةُ الْمُرِيبَةُ قَلَّتِ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَسَوَاءٌ وَقَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ حَصَلَتْ فِي مَاءٍ قَدْرُهُ أَقَلُّ مِنْ قُلَّتَيْنِ.

وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ كَذُبَابٍ سَقَطَ عَلَى نَجَاسَةٍ فَاحْتَمَلَ بِأَرْجُلِهِ وَأَجْنِحَتِهِ فِيهَا مَا لَا يُرَى وَلَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ لِقِلَّتِهِ، ثُمَّ سَقَطَ فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى ثَوْبٍ فَدَلِيلُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ هَا هُنَا أَنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجَّسُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: أَوْ أَيِّ نَجَاسَةٍ كَانَتْ مِمَّا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فَقَدْ فَسَدَ الْمَاءُ، فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مَفْهُومًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ: وَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ غائطٌ أَوْ بولٌ أَوْ خمرٌ وَاسْتَيْقَنَهُ أَدْرَكَهُ الطَّرْفُ أَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ فَعَلَيْهِ غَسْلُهُ، وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ ذَلِكَ غَسَلَهُ كُلَّهُ، وَقَالَ في موضع آخر، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْأُمِّ: وَإِذَا وَقَعَ الذباب على بول أو خلا رَقِيقٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى ثَوْبٍ غُسِلَ مَوْضِعُهُ وَسَوَّى فِي تَنْجِيسِ الثَّوْبِ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ بَيْنَ مَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ أَوْ لَا يُدْرِكُهُ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، لِأَجْلِ اخْتِلَافِ هَذَا النَّقْلِ عَلَى أَرْبَعِ طُرُقٍ.

إِحْدَاهُنَّ: وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ إِنْ حَمَلُوا كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَقَالُوا إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجَّسُ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، وَهُوَ دَلِيلُهُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ فِي الْمَاءِ هَا هُنَا، وَأَنَّ الثَّوْبَ ينجس بما لا يدركه الطرف، كما ينص بما لا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الثَّوْبِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَكِتَابِ الْأُمِّ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنْ قَالُوا: إِنَّ الْمَاءَ أَقْوَى حُكْمًا فِي رَفْعِ النَّجَاسَةِ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ الثَّوْبِ لِأَمْرَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>