للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ: " اللَّهُمَّ هَذَا الْبَلَدُ بَلَدُكَ وَالْبَيْتُ بَيْتُكَ جِئْتُ أَطْلُبُ رَحْمَتَكَ، وَأَلُمُّ طَاعَتَكَ، مُتَّبِعًا لِأَمْرِكَ، رَاضِيًا بِقَدَرِكَ، مُسَلِّمًا لِأَمْرِكَ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إِلَيْكَ، الْمُشْفِقِ مِنْ عَذَابِكَ خَائِفًا لِعُقُوبَتِكَ، أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي بِعَفْوِكَ، وَأَنْ تَتَجَاوَزَ عَنِّي بِرَحْمَتِكَ، وَأَنْ تُدْخِلَنِي جَنَّتَكَ ". وَأَيُّ شَيْءٍ قال ما لم يكن هجراً جاز، قد رَوَى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَخَلَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَابْنُ رَوَاحَةَ يَمْشِي بين يديه ويقول:

(خَلُّوا بَنِي الْكُفَارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ)

(ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ)

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى تَقُولُ الشِّعْرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خل عنه يا عمر فإنه أسرع فيكم مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ ".

فَصْلٌ

: فَأَمَّا مَكَّةُ، فَقَدْ ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِاسْمَيْنِ: مَكَّةُ وَبَكَّةُ فَقَالَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً) {آل عمران: ٩٦) وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفَتْحِ: {وَهُوَ الذِي كَفَّ أيْدِيهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) {الفتح: ٢٣) فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ قَوْمٌ: هُمَا لُغَتَانِ، وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُبْدِلُ الْمِيمَ بِالْبَاءِ، فَيَقُولُونَ ضَرْبٌ لَازِبٌ وَلَازِمٌ، لِقُرْبِ الْمَخْرَجَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ هُمَا اسْمَانِ، وَالْمُسَمَّى بِهِمَا شَيْئَانِ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا اخْتَلَفُوا، فِي الْمُسَمَّى بِهِمَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَكَّةَ اسْمُ الْبَلَدِ، وَبَكَّةَ اسْمُ الْبَيْتِ وَهَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَيَحْيَى.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَكَّةَ الْحَرَمُ كُلُّهُ، وَبَكَّةَ الْمَسْجِدُ كُلُّهُ وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَأَمَّا مَكَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ تَمَكَّكْتُ الْمُخَّ تَمَكُّكًا إِذَا اسْتَخْرَجْتُهُ، وَأَنْشَدَ بَعْضُ الرُّجَّازِ فِي تَلْبِيَتِهِ:

(يَا مَكَّةَ الْفَاجِرِ مُكِّي مَكَّا ... ولا تمكي مذحجاً وَعَكَّا)

مَكَّةُ الْفَاجِرِ يَعْنِي بِمَكَّةَ الْعَاجِزَ عَنْهَا، وَيُخْرِجُهُ مِنْهَا، وَأَمَّا بَكَّةُ فَقَدْ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَبُكُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَيْ يَدْفَعُ، وَأَنْشَدَ:

(إِذَا الشَّرِيبُ أَخَذَتْهُ أَكَّهْ ... فحله حتى يبك بكه)

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ قَالَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا البيت

<<  <  ج: ص:  >  >>