للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ فِي الْكِتَابَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً كَالتَّدْبِيرِ كَمَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُحَابَاةُ الْمَرِيضِ، وَهِبَاتُهُ مَوْقُوفَةً، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْكِتَابَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: جَائِزَةٌ، سَوَاءٌ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ.

وَالثَّانِي: بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ صحت، وإن قتل بالردة بطلت.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ لَمْ يُعْتَقِ الْمُكَاتَبُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ، لِأَنَّهَا بَطَلَتْ بِحُكْمِ الْمَنْعِ مِنْهَا، فَجَرَتْ مَجْرَى كِتَابَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ وَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ إِلَيْهِ قَبْلَ حَجْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ عَتَقَ، وَإِنْ أَدَّاهَا إِلَيْهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لَمْ يُعْتَقْ لِدَفْعِهَا ٠ إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقٍّ لِقَبْضِهَا، وَأُخِذَ بِأَدَائِهَا إِلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا أَعَادَهُ بِالتَّعْجِيزِ عَبْدًا، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ عَتَقَ عَلَيْهِ بِمَا اسْتَأْدَاهُ فِي رِدَّتِهِ، وَخَالَفَ مَا يَسْتَأْدِيهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ إِذَا فُكَّ حَجْرُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِأَدَائِهِ فِي حَالِ حِجْرِهِ، لِأَنَّ حَجْرَ السَّفَهِ فِي حَقِّ السَّفِيهِ حِفَاظًا لِمَالِهِ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُحْتَسَبُ بِالْأَدَاءِ، وَحَجْرُ الرِّدَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لِحِفْظِهِ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا زَادَ صَارَ لَهُ، فَاحْتَسَبَ بِهِ، وَجَرَى مَجْرَى رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَدَفَعَهُ إِلَى ابْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ لَمْ يَبْرَأْ بِدَفْعِهِ فَلَوْ مَاتَ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَوَرِثَهُ ابْنُهُ بَرِئَ بِذَلِكَ الدَّفْعِ، وَإِنْ قُلْنَا تُوقَفُ الْكِتَابَةُ كَانَ الْأَدَاءُ فِيهَا إِلَى الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفًا، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ صَحَّتِ الْكِتَابَةُ وَالْأَدَاءُ، وَصَارَ الْمُكَاتَبُ حُرًّا، وَإِنْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ بَطَلَتِ الْكِتَابَةُ وَالْأَدَاءُ، وَكَانَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

فَصْلٌ

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَأْنِفَ كِتَابَتَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي رِدَّتِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُهُمْ أَنَّ الْكِتَابَةَ بَاطِلَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحَجْرِ يَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ الْعُقُودِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَهَا عَلَى الْأَقَاوِيلِ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ أَثْبَتَ الْحَجْرَ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ، وَلِذَلِكَ سَوَّى بَيْنِ الْحَالَيْنِ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهَا إِنْ بَطَلَتْ أَوْ صَحَّتْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوِ ارْتَدَّ الْعَبْدُ ثُمَّ كَاتَبَهُ جَازَ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا ارْتَدَّ الْعَبْدُ، فَكَاتَبَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ رِدَّتِهِ صَحَّتْ كِتَابَتُهُ لِبَقَائِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ، وَجَوَازِ تَصَرُّفِ السَّيِّدِ فِيهِ بِبَيْعِهِ وَعِتْقِهِ، وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ فِي كَسْبِهِ، لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ، وَيُؤْخَذُ بِأَدَائِهِ إِلَى السَّيِّدِ فِي كِتَابَتِهِ، فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ بِهَا ثُمَّ رُوعِيَ حَالُ رِدَّتِهِ، فَإِنْ قُتِلَ بِهَا كَانَ مَالُهُ فَيْئًا. وَإِنْ تَابَ مِنْهَا بِالْإِسْلَامِ كَانَ مَالُهُ إِنْ مَاتَ مِيرَاثًا لِسَيِّدِهِ بِالْوَلَاءِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْأَدَاءِ عَادَ عَبْدًا، وَقُتِلَ بِالرِّدَّةِ إِنْ أَقَامَ عَلَيْهَا، وَكَانَ مَا بِيَدِهِ لِلسَّيِّدِ مِلْكًا لَا إِرْثًا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>