للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ رَدَّ مَا قَامَ مَقَامَهُ مِنْ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْجَبَ قِصَاصًا، اقْتُصَّ لَهُ مِنْ قَاتِلِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي اقْتِصَاصِ سَيِّدِهِ وَاسْتِرْجَاعِ بَدَلِهِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ مَعَ خُرُوجِهِ بِالْقَتْلِ وَالْقِصَاصِ مِنْ يَدِهِ، فَأَوْلَى أَلَّا يَكُونَ لَهُ الْفَسْخُ إِذَا عَلِمَ بِعَيْبِهِ.

(فَصْلٌ)

فَلَوْ بِيعَ الرَّهْنُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ بِتَقَدُّمِ عَيْبِهِ، لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَرَدُّ الثَّمَنِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلٌ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِذَا أُخِذَتْ قِيمَتُهُ، ثُمَّ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ بِعَيْبِهِ، تَكُونُ الْقِيمَةُ الْمَأْخُوذَةُ قَائِمَةً مَقَامَ رَدِّهِ بِعَيْبِهِ، وَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ.

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ عَاوَضَ عَلَيْهِ سَلِيمًا، وَلَمْ يَكُنْ نَقْصُ الْعَيْبِ مُؤَثِّرًا إِذَا لَمْ يَظْهَرْ عَيْبُهُ إِلَّا بَعْدَ نُفُوذِ بَيْعِهِ كَالْمُشْتَرِي إِذَا بَاعَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ لَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخٌ وَلَا أَرْشٌ، وَلَيْسَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهِ قِيمَتُهُ الَّتِي كَانَ يَسْوَاهَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ مَعَ نَقْصِهِ بِالْعَيْبِ فَافْتَرَقَا.

فَلَوْ أَنَّ مُشْتَرِيَ الرَّهْنِ ظَهَرَ عَلَى عَيْبِهِ فَرَدَّهُ بِهِ، وَطَالَبَ بِرَدِّ ثَمَنِهِ نُظِرَ، فَإِنِ اسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ يَدِ الْعَدْلِ الْمَوْضُوعِ عَلَى يَدِهِ الرَّهْنُ، فَلِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ الْبَيْعِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ قَدْ عَادَ إِلَى حُكْمِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ.

وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالثَّمَنِ وَلَمْ يَسْتَرْجِعْهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ الْبَيْعِ، لِسَلَامَةِ الثَّمَنِ لَهُ وَارْتِفَاعِ ضَرَرِ النَّقْصِ عنه، والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطَا رَهْنًا فِي الْبَيْعِ فَتَطَوَّعَ المشتري فرهنه فلا سبيل له إلى إخراجه مِنَ الرَّهْنِ وَبَقِيَ مِنَ الْحَقِّ شَيْءٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، التَّطَوُّعُ بِالرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ جَائِزٌ كَجَوَازِهِ لَوْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْبَيْعِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ فَيَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِهَا كَالشَّهَادَةِ وَالضَّمَانِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ يَنْفَرِدُ بِحُكْمِهِ بِدَلِيلِ افْتِقَارِهِ إِلَى بَذْلٍ وَقَبُولٍ، فَصَحَّ عَقْدُهُ مُفْرَدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي غَيْرِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلَيْسَ كَالْأَجَلِ الَّذِي لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ يَنْفَرِدُ بِحُكْمِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَتَطَوَّعَ الْمُشْتَرِي فَأَعْطَى الْبَائِعَ رَهْنًا بِالثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ عَلَيْهِ، فَقَدْ لَزِمَ الرَّهْنُ بِإِقْبَاضِهِ كَمَا لَوْ كَانَ مَشْرُوطًا، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي انْتِزَاعُ الرَّهْنِ إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْحَقِّ كُلِّهِ، وَتَكُونُ جَمِيعُ أَحْكَامِ هَذَا الرَّهْنِ كَأَحْكَامِ الرَّهْنِ للشروط فِي الْبَيْعِ. إِلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ الْمُرْتَهِنَ إِذَا بَانَ لَهُ بِالرَّهْنِ عَيْبٌ مُتَقَدِّمٌ لَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ.

وَلَوْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْبَيْعِ كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَشْرُوطًا فَقَدْ دَخَلَ عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>