للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ فِي الْإِيلَاءِ مَا أَجَّلَ اللَّهُ فِيهِ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَصِرْ مولياً عن الشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُولِيًا عِنْدَهُمْ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ سَوَاءٌ كَانَ مُولِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْمُدَّةَ أجلاً لوقوع الطلاق بها، ولم يَكُنْ مُولِيًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ لِأَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ الْمُدَّةَ أَجَلًا لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَهَا.

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ يَنْبَنِي اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ مِنَ الْفَيْئَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَإِذَا مَضَتْ قَبْلَ أَنْ يَفِيءَ طُلِّقَتْ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ: أنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ قَبْلَ أَنْ يَفِيءَ اسْتَحَقَّتْ مُطَالَبَتَهُ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ فَصَارَ الْخِلَافُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي فَصْليْنِ:

أَحَدُهُمَا: اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ بَعْدَهَا.

وَالثَّانِي: الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يَقَعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ طَلْقَةً بَائِنَةً.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: أنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ حَتَّى يُطَالَبَ بَعْدَهَا بالفيئة أو الطلاق فإن لم يفيء أُخِذَ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ.

وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَعَائِشَةُ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ.

وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ، وَطَاوُسٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ.

وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ كُلُّهُمْ، يُوقِفُ الْمُولِيَ يَعْنِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.

وَرَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الْمُولِي فَقَالُوا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ.

(فَصْلٌ:)

فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدِلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَيْئَةِ فِي الْمُدَّةِ ووقوع الطلاق بانقضائها بقوله تعالى: {للذي يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦، ٢٢٧] .

قَالَ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ {فَإِنْ فَاءُوا فيهن فإن الله غفور رحيم} [البقرة: ٢٢٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>