بُلُوغِ الْوَلَدِ لَمْ يُؤْخَذِ الزَّوْجُ بِنَفَقَتِهِ، لِأَنَّ نَسَبَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ لَاحِقٍ إِلَّا بيمينه.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ إِنْكَارَ الْعِلْمِ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ: لَمْ أَعْلَمْ بِوِلَادَتِهِ، مَعَ كَوْنِهِ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَعَهَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَالدَّارُ صَغِيرَةٌ لَا يَخْفَى طَلْقُهَا وَوِلَادَتُهَا عَلَى مَنْ فِيهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارٍ أُخْرَى وَقَدْ شَاعَ الْخَبَرُ فِي الْجِيرَانِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُشَعِ الْخَبَرُ قُبِلَ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَعْتَرِفَ بِوِلَادَتِهَا، وَيَقُولَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي نَفْيَهُ أَوْ يَقُولَ عَلِمْتُ ذَاكَ وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ لِمُخَالَطَةِ الْفُقَهَاءِ، وَإِشْرَافِهِ عَلَى الْأَحْكَامِ، فَقَوْلُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، لِأَنَّهُ يُخَالِفُ ظَاهِرَ حَالِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَيَجْهَلُهُ، لِقُرْبِ إِسْلَامِهِ أَوْ مَجِيئِهِ مِنْ بَادِيَةٍ نَائِيَةٍ، فَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ ظَاهِرَ حَالِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ فِيهِ مُحْتَمَلًا لِأَنَّهُ مُتَقَدِّمُ الْإِسْلَامِ فِي حَضَرٍ لَكِنَّهُ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ وَأَرْبَابِ الصَّنَائِعِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ الْفُقَهَاءَ، وَلَا يَعْرِفُونَ الْأَحْكَامَ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ ثُبُوتُ النَّسَبِ.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ رَآهَا حُبْلَى فَلَمَّا وَلَدَتْ نَفَاهُ فَإِنْ قَالَ لَمْ أَدْرِ لَعَلَّهُ لَيْسَ بِحَمْلٍ لَاعَنَ وَإِنْ قَالَ قُلْتُ لَعَلَّهُ يَمُوتُ فَأَسْتُرَ عَلَيَّ وَعَلَيْهَا لَزِمَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ إِذَا ظَنَّ رِيحًا أَوْ غِلَظًا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ اعْتِرَافٌ بِمَا يَقْتَضِي لُحُوقَ النَّسَبِ سَوَاءٌ جُعِلَ لِلْحَمْلِ حُكْمٌ أَوْ لَمْ يُجْعَلْ، وَإِنْ تَحَقَّقَهُ حَمْلًا صَحِيحًا وَرَجَا مَوْتَهُ أَوْ مَوْتَ الْأُمِّ فَسَتَرَ عَلَيْهَا وَعَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ صَارَ مُعْتَرِفًا بِهِ مُمْتَنِعًا مِنْ نَفْيِهِ فَلَزِمَهُ الْوَلَدُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْحَامِلُ مَبْتُوتَةً فَفِي جَوَازِ نَفْيِهِ بَعْدَ وِلَادَتِهِ وَجْهَانِ، مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي نَفْيِ حَمْلِ الْمَبْتُوتَةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَلْتَعِنُ لِنَفْيِهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ وَلَزِمَهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ قِيلَ لَا يَلْتَعِنُ مِنْ حَمْلِ الْمَبْتُوتَةِ إِلَّا بَعْدَ وِلَادَتِهَا جَازَ لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَ وِلَادَتِهَا.