وَالْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِدُخُولِ الْأَطْرَافِ فِي النَّفْسِ: هُوَ أَنَّ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ يَنْفَرِدُ عَنِ الْآخَرِ فَلَمْ يَصِرْ بَعْضًا مِنْهُ ولا تابعاً له.
والحال الثالثة: أن يتقص مِنَ اليَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ ثُمَّ يَقْتُلُهُ قِصَاصًا مِنْ نَفْسِهِ، فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا،
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْقَوَدِ فِي الْأَطْرَافِ وَالنَّفْسِ، وَيَقْتَصُّ مِنْ نَفْسِهِ دُونَ أَطْرَافِهِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ لِلطَّرَفِ بَدَلَيْنِ الْقَوَدَ وَالدِّيَةَ، فَلَمَّا دَخَلَتْ دِيَةُ الْأَطْرَافِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ، وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ قَوَدُ الْأَطْرَافِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ، لِأَنَّهُ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فَأَشْبَهَ الدِّيَةَ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ كُلَّ طَرَفٍ اقْتُصَّ مِنْهُ لَوِ انْفَرَدَ عَنِ النَّفْسِ جَازَ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ وَإِنِ اقْتُصَّ مِنَ النَّفْسِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ النَّفْسَ بِالتَّوْجِئَةِ، كَذَلِكَ إِذَا قَتَلَهَا بِالسِّرَايَةِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُوَافِقُ إِذَا عَادَ إِلَيْهِ فَذَبَحَهُ بَعْدَ قَطْعِ أَطْرَافِهِ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ نَفْسِهِ وَأَطْرَافِهِ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِي ذَهَابِ النَّفْسِ بِالسِّرَايَةِ إِلَى الْقِصَاصِ فِيمَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ فِي الْأَطْرَافِ، وَإِنْ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا، وَيُسْقِطُ الْقِصَاصَ مِنَ الأَطْرَافِ فِيهِمَا، ثُمَّ يُقَالُ لِأَبِي حَنِيفَةَ: إِذَا لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ بِالتَّوْجِئَةِ الَّتِي لَمْ تَحْدُثْ عَنِ الْأَطْرَافِ فَلِأَنْ لَا تَسْقُطَ بِالسِّرَايَةِ الْحَادِثَةِ عَنِ الْأَطْرَافِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْقِصَاصِ مُسْتَحَقَّةٌ، وَالْأَطْرَافُ بِالْأَطْرَافِ أَشْبَهُ بِالْمُمَاثَلَةِ مِنَ النَّفْسِ بِالْأَطْرَافِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عن الدِّيَةِ مَعَ فَسَادِهِ بِالْقَتْلِ تَوْجِئَةً هُوَ أَنَّ الْقِصَاصَ أَوْسَعُ حُكْمًا مِنَ الدِّيَةِ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَوْ قَتَلُوا وَاحِدًا قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَعَ الْعَفْوِ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ أَطْرَافِهِ ثُمَّ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ مِنَ النَّفْسِ وَفِي جَوَازِ مُبَاشَرَتِهِ لِقَطْعِ الْأَطْرَافِ إِذَا اتَّصَلَتْ بِالنَّفْسِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ كَمَا لَوِ انْفَرَدَتْ، وَيَسْتَنِيبُ مَنْ يَسْتَوْفِي لَهُ الْقِصَاصَ فِي الْأَطْرَافِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ لِاتِّصَالِهَا بِالنَّفْسِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْجَوَائِفِ إِذَا صَارَتْ نَفْسًا، هَلْ يُقْتَصُّ مِنْهَا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَلَوْ كَانَ الْجَانِي حِينَ قَطَعَ يَدَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَرِجْلَيْهِ جَنَى عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ كَانَ لِلْجَانِي أَنْ يَقْتَصَّ لِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، أَوْ يَأْخُذَ دِيَتَهُمَا، وَيَسْقُطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا، لِعَدَمِهِمَا، وَكَانَ مَا أَخَذَهُ مِنْ دِيَتِهِمَا إِذَا اقْتَصَّ مِنْ نَفْسِهِ خَالِصًا لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ مُسْتَحَقًّا لِأَوْلِيَاءِ قَتِيلِهِ، لِأَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوهَا قِصَاصًا لَا مَالًا، وَهَكَذَا لو قطع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute