للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَاتَ يَوْمٍ وَقَالَ: أَنَا أَثْبَتُ مِنْكَ جَنَانًا، وأفصح منك لسانا، وأهد مِنْكَ سِنَانًا فَنَزَلَ فِيهِ {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يستوون} يَعْنِي بِالْمُؤْمِنِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَبَالْفَاسِقِ الوليد بن عقبة. {لا يستوون} يَعْنِي فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَمَنَازِلِ الْآخِرَةِ.

وَأَمَّا اسْمُ الْعَدْلِ فَهُوَ الْعَدِيلُ، لِأَنَّهُ مُعَادِلٌ لِمَا جَازَاهُ وَالْمُعَادَلَةُ الْمُسَاوَاةُ. وَهُوَ فِي الشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِيمَنْ كَانَ مَرْضِيَّ الدَّيْنِ وَالْمُرُوءَةِ لِاعْتِدَالِهِ.

وَأَمَّا اسْمُ الْفَاسِقِ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْخُرُوجِ عَنِ الشَّيْءِ يُقَالُ: فَسَقَتِ الرُّطْبَةُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرِهَا. فَسُمِّيَ الْغُرَابُ فَاسِقًا لِخُرُوجِهِ مِنْ مَأْلَفِهِ وَسُمِّيَتِ الْفَأْرَةُ فُوَيْسِقَةً لِخُرُوجِهَا مِنْ جُحْرِهَا.

وَهُوَ فِي الشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِيمَنْ كَانَ مَسْخُوطَ الدِّينِ وَالطَّرِيقَةِ لِخُرُوجِهِ عَنِ الِاعْتِدَالِ.

( [صِفَةُ الْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ] )

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ فَرْقُ مَا بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ، وَجَبَ الْعُدُولُ إِلَى صِفَةِ الْعَدْلِ وَإِلَى صِفَةِ الْفَاسِقِ، لِيَكُونَ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ الْعَدَالَةُ مَقْبُولًا، وَمَنْ وُجِدَ فِيهِ الْفِسْقُ مَرْدُودًا.

فَالْعَدْلُ فِي الشَّهَادَةِ مَنْ تَكَامَلَتْ فِيهِ ثَلَاثَةُ خِصَالٍ:

إِحْدَاهُنَّ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، وَذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، حُرًّا، مُسْلِمًا.

وَلَيْسَ عَدَمُ التَّكْلِيفِ وَالْحُرِّيَّةِ مُوجِبًا لِفِسْقِهِ وَإِنْ كَانَ وَجُودُهُمَا شَرْطًا فِي عَدَالَتِهِ.

وَالْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ: كَمَالُ دَيْنِهِ، وَذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

أَنْ يَكُونَ مُحَافِظًا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَامِرِهِ مُجَانِبًا لِكَبَائِرِ الْمَعَاصِي غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَى صَغَائِرِهَا.

وَالْكَبَائِرُ: مَا وَجَبَتْ فِيهَا الْحُدُودُ وَتَوَجَّهَ إِلَيْهَا الْوَعِيدُ.

وَالصَّغَائِرُ: مَا قَلَّ فِيهَا الْإِثْمُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١] .

وَقَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: ٣٢]

وَفِي هَذِهِ الْكَبَائِرِ لِأَهْلِ التَّأْوِيلِ أَرْبَعَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: مَا زُجِرَ عَنْهُ بالحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>