أَحَدُهَا: يَجُوزُ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا يُرَاعَى فِيهَا الفقراء فلم يراعى فِيهَا النَّسَبُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُفَاضَلُوا عَلَى عَمَلِهِمْ فِيهَا مَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ مِنْ أُجْرَةِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَمَا يَلْزَمُ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ مِنْ أُجْرَةِ الْحِفْظِ وَالنَّقْلِ، جَازَ أَنْ يُفَاضَلُوا عَلَيْهِ بِمَا يَلْزَمُ فِي مَالِ الصَّدَقَاتِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يجوز لتحريم الصَّدَقَاتِ عَلَيْهِمْ، رُوِيَ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَالْمُطَّلِبَ بْنَ رَبِيعَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَاهُ عِمَالَةَ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ لَا يَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: إِنَّا أَهْلَ بَيْتٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ سَهْمَهُمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ عِوَضًا عَنْ مَالِ الصَّدَقَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلٌ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ إِنْ كَانُوا يُعْطَوْنَ سَهْمَهُمْ مِنَ الْخُمُسِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانُوا لَا يُعْطَوْنَ جاز لأن لا يَجْمَعُوا بَيْنَ مَالَيْنِ إِنْ أُعْطُوا لَا يُحْرَمُوا المالين وإن منعوا، فأما مولى ذَوِي الْقُرْبَى فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِمْ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمْ كَذَوِي الْقُرْبَى فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَاتِ عَلَيْهِمْ لِرِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَعْمَلَ عَلَى الصَّدَقَةِ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَقُلْتُ لَهُ أَثْبِتْ لِي سَهْمًا مِنْهَا، فَقَالَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: " إِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَإِنَّا أَهْلَ بَيْتٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ ".
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى مِنْهُمْ عَامِلًا عَلَيْهَا، لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى لِأَمْرَيْنِ تَفَرَّدُوا بِهِمَا عَنْ مَوَالِيهِمْ:
أَحَدُهُمَا: شَرَفُ نَسَبِهِمُ الَّذِي فُضِّلُوا بِهِ.
وَالثَّانِي: سَهْمُهُمْ مِنَ الْخُمُسِ الَّذِي تَفَرَّدُوا بِهِ.
فَوَجَبَ أَنْ يُخْتَصُّوا بِتَحْرِيمِ الصَّدَقَاتِ دُونَ مَوَالِيهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
إِذَا تَلَفَتِ الصَّدَقَةُ فِي يَدِ الْعَامِلِ فَهُوَ عَلَيْهَا أَمِينٌ لَا يَضْمَنُهَا إِلَّا بِالْعُدْوَانِ ثُمَّ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَ سَهْمَهُ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَأْخُذْ، فَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَحَقَّهُ بِعَمَلِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَ أُجْرَةَ الْقَبْضِ وَالتَّفْرِيقِ، فَيَلْزَمُهُ إِذَا تَلَفَتْ قَبْلَ التَّفْرِيقِ أَنْ يَرُدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ مَا قَابَلَ أُجْرَةَ التَّفْرِيقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَخَذَ سَهْمَهُ مِنَ الْمَالِ قَبْلَ تَلَفِهِ أُعْطِيَ أُجْرَةً مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ مِنَ الْخُمُسِ، وَلَمْ يُفَوَّتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[مسألة:]
قال الشافعي: " وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فِي مُتَقَدِّمِ الْأَخْبَارِ ضَرْبَانِ ضَرَبٌ مُسْلِمُونَ أَشْرَافٌ مُطَاعُونَ يُجَاهِدُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْوَى الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ وَلَا يَرَوْنَ مِنْ نِيَّاتِهِمْ مَا يَرَوْنَ مِنْ نِيَّاتِ غَيْرِهِمْ فَإِذَا كَانُوا هَكَذَا فَأَرَى أَنْ يُعْطَوْا مِنْ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ مَا يُتَأَلَّفُونَ بِهِ سِوَى سِهَامِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا السَّهْمَ