للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

أَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَقْذِفَ الْمَرْأَةَ دُونَ الرَّجُلِ، فَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: تَشَبَّهْتِ لَهُ بِزَوْجَتِهِ فَأَصَابَكِ يَظُنُّكِ زَوْجَتَهُ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ لِعِلْمِكِ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ زَانٍ لِجَهْلِهِ بِكِ، فيحوز عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ النَّسَبِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ.

وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: لَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِ النَّسَبِ بِهَذَا الْقَذْفِ، لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ فِي حَقِّ الرَّجُلِ يُوجِبُ لُحُوقَ الْوَلَدِ بِهِ إِنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ فَيَنْتَفِي عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ، وَإِذَا أَمْكَنَ نَفْيُ النَّسَبِ بِغَيْرِ لِعَانٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ كَوَلَدِ الْأَمَةِ لَمَّا جَازَ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ بِادِّعَاءِ الِاسْتِبْرَاءِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ. وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ غَيْرَ مُسَمَّى فَلَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ، وَلَوْ كَانَ مُسَمًّى لَجَازَ أَنْ يُنْكِرَ الْوَاطِئُ فَلَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ، وَلَوِ اعْتَرَفَ بِالْوَطْءِ لَجَازَ أَنْ لَا تُلْحِقَهُ الْقَافَةُ بِهِ، وَلَوْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِ احْتَاجَ الزَّوْجُ إِلَى إِسْقَاطِ الْحَدِّ بِلِعَانِهِ فَصَارَ اللِّعَانُ مُسْتَحَقًّا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، فَجَازَ أَنْ يَتَضَمَّنَهُ نَفْيُ النَّسَبِ الَّذِي قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقَذْفُ نَفْيَهُ وَإِنْ لَحِقَ بِهِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ لَا يَقْذِفَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِالزِّنَا فَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: وَجَدَكِ عَلَى فِرَاشِهِ فَظَنَّكِ زَوْجَتَهُ وَظَنَنْتِيهِ زَوْجَكِ. فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا زَانٍ، فَلَا يَجِبُ بِهَذَا الرَّمْيِ حَدٌّ، وَيَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى نَفْيِ النَّسَبِ، فَإِنْ كَانَ حَمْلًا فَلَا لِعَانَ بِهِ، وَلَا تَنَازُعَ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غِلَظًا أَوْ رِيحًا، فَإِذَا وَضَعَتْ رُوعِيَ حَالُ الْمَرْمِيِّ بِوَطْئِهَا فَإِنْ كَانَ مُسَمًّى مُعْتَرِفًا بِوَطْئِهَا فَلَا لِعَانَ، وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالزَّوْجِ اضْطُرَّ إِلَى نَفْيِهِ بِاللِّعَانِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَرْمِيُّ بِهَا مُنْكِرًا لِوَطْئِهَا أَوْ كَانَ مَجْهُولًا غَيْرَ مُسَمًّى اضْطُرَّ إِلَى نَفْيِهِ بِاللِّعَانِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ، وَفِي جَوَازِ لِعَانِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ قَذْفٍ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ.

وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: إِنَّهُ يَصِحُّ لِعَانُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ قَذْفٍ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الْوَطْءَ مُفْسِدٌ لِفِرَاشِهِ كَالزِّنَا فَاسْتَوَيَا فِي نَفْيِ نَسَبِهِ بِاللِّعَانِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَزْنِيَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيْهِمَا فِي رَمْيِهِمَا بِالزِّنَا، فَعَلَى هَذَا يَقُولُ فِي لِعَانِهِ: أشهد بالله أنني لمن الصادقين فيما رميتها بِهِ مِنْ إِصَابَةِ غَيْرِي لَهَا عَلَى فِرَاشِي وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ تِلْكَ الْإِصَابَةِ مَا هُوَ مِنِّي.

فَإِذَا أَكْمَلَ لِعَانَهُ انْتَفَى عَنْهُ النَّسَبُ وَلَمَ تُلَاعِنِ الْمَرْأَةُ بَعْدَهُ، لِأَنَّ هَذَا اللِّعَانَ لَا يُوجِبُ عَلَيْهَا الْحَدَّ، لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَ وَطْءَ شُبْهَةٍ وَلَمْ يُثْبِتِ الزِّنَا وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَلْتَعِنْ لِأَنَّ لِعَانَهَا مَقْصُورٌ عَلَى إِسْقَاطِ الْحَدِّ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ كَلَامٍ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>