وَأَمَّا الدَّائِمُ: فَهُوَ أَنْ يُدْعَى، مَعَ الصِّحَّةِ إِلَى الْمَشْيِ إِلَيْهَا، لِتَحَمُّلِهَا أَوْ لِأَدَائِهَا، فَإِنْ كَانَ إِلَى مَوْضِعٍ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ بَلَدِهِ عُذِرَ بِالتَّأْخِيرِ سَوَاءٌ قَرُبَتِ الْمَسَافَةُ أَمْ بَعُدَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَا مَرْكُوبٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ، لِأَنَّ فِي مُفَارَقَةِ وَطَنِهِ مَشَقَّةً يَسْقُطُ مَعَهَا فَرْضُ الْإِجَابَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ فِي بَلَدِهِ، فَإِنْ قَرُبَتْ أَطْرَافُ بَلَدِهِ لِصِغَرِهِ لَزِمَتْهُ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ بَعُدَتْ أَقْطَارُهُ لِسَعَتِهِ اعْتُبِرَ حَالُهُ، فَإِنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْمَشْيِ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِهِ لَزِمَتْهُ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْعَادَةِ شَاقٌّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا مَرْكُوبٍ فَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الرُّكُوبِ، فَتَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ، فَإِنْ حُمِلَ إِلَيْهِ مَا يَرْكَبُهُ وَهُوَ غَيْرُ ذِي مَرْكُوبٍ اعْتُبِرَ حَالُهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَنَاكَرِ النَّاسُ رُكُوبَ مِثْلِهِ لَزِمَتْهُ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ تَنَاكَرُوهَا لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّ مَا يُنْكِرُهُ النَّاسُ مُسْتَقْبَحٌ وَأَمَّا الْأَعْذَارُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَالِهِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا خَافَ بِهِ ضَيَاعَ مَالٍ.
وَالثَّانِي: مَا تَعَطَّلَ بِهِ عَنِ اكْتِسَابٍ.
فَأَمَّا مَا خَافَ بِهِ ضَيَاعَ مَالِهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا عَلَى حِفْظِهِ وَلَيْسَ لَهُ نَائِبٌ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْإِجَابَةِ مَا كَانَ عَلَى حَالِهِ.
فَإِذَا زَالَ عَنْهَا وَجَبَ فَرْضُهَا، فَإِنْ ضَمِنَ لَهُ الدَّاعِي حِفْظَ مَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ ائْتِمَانَ النَّاسِ عَلَى مَالِهِ.
وَأَمَّا مَا تَعَطَّلَ بِهِ عَنِ اكْتِسَابِهِ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَعَائِشِ الْمُكْتَسِبِينَ، فَإِنْ دُعِيَ فِي وَقْتِ اكْتِسَابِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ دُعِيَ فِي غَيْرِهِ لَزِمَتْهُ، فَلَوْ بذل له الدعي قَدْرَ كَسْبِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَلَوْ طَلَبَ قَدْرَ كَسْبِهِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِهِ على ثلاثة أوجه:
أحدهما: يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا، كَمَا يَجُوزُ لِلْكَاتِبِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى كِتَابَتِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْخُصُومِ أُجْرَةً عَلَى حُكْمِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا عَلَى التَّحَمُّلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا عَلَى الْأَدَاءِ، لِأَنَّهُ فِي الْأَدَاءِ مُتَهَوِّمٌ، وَفِي التَّحَمُّلِ غَيْرُ مُتَهَوِّمٍ.
(فَصْلٌ)
: وأما من تلزمه الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ فَهُوَ كُلُّ ذِي وِلَايَةٍ، يَصِحُّ مِنْهُ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ لِأَهْلِهَا، مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَالْأُمَرَاءِ، وَالْحُكَّامِ، وَسَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، فَإِنْ دُعِيَ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ جَائِرٍ، فَإِنْ كَانَ جَوْرُهُ فِي الْحَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ لَزِمَتْهُ، وَإِنْ دُعِيَ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ مُتَوَسِّطٍ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمِ الْخَصْمَانِ حُكْمَ الْوَسَطِ لَمْ تَلْزَمْهُ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ، وَإِنِ الْتَزَمَا حُكْمَهُ فَفِي وُجُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute