للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب من العاقلة التي تغرم)]

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " لم أعلم مخالفا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْعَاقِلَةُ فَهُمْ ضُمَنَاءُ الدِّيَةِ وَمُتَحَمِّلُوهَا مِنْ عَصَبَاتِ الْقَاتِلِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهِمْ عَاقِلَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْعَقْلَ اسْمٌ لِلدِّيَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ثَمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ " أَيْ يَتَحَمَّلُ عَقْلَهُ وَهُوَ الدِّيَةُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ سُمُّوا عَاقِلَةً، لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ إِبِلَ الدِّيَةِ فَيَعْقِلُونَهَا عَلَى بَابِ الْمَقْتُولِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ سُمُّوا عَاقِلَةً، لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ الْقَاتِلَ أَيْ يَمْنَعُونَ عَنْهُ، وَالْمَنْعُ الْعَقْلُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْعَقْلُ فِي النَّاسِ عَقْلًا، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْقَبَائِحِ.

(فَصْلٌ)

لَا خِلَافَ أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، سَوَاءٌ وَجَبَ فِيهَا الْقَوَدُ أَوْ لَمْ يَجِبْ كَجِنَايَةِ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ وَمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ مِنَ الْجَائِفَةِ وَسَائِرِ الْجِرَاحِ، وَتَكُونُ الدِّيَةُ حَالَّةً فِي مَالِ الْجَانِي.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ مِنَ الْعَمْدِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِ عَلَى الْجَانِي مُؤَجَّلَةً كَالْخَطَأِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ سُقُوطَ الْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ لَا يُوجِبُ تَأْجِيلَ دِيَتِهِ كَسُقُوطِهِ بِالْعَفْوِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ غُرْمَ الْمُتْلِفِ إِذَا لَمْ يَدْخُلْهُ التَّحَمُّلُ حَلَّ كَالْأَمْوَالِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَعَجَّلْ دِيَةَ الْخَطَأِ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ لَمْ تَتَأَجَّلْ دِيَةُ الْعَمْدِ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا دِيَةُ الْخَطَأِ الْمَحْضِ وَعَمْدِ الْخَطَأِ فَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَتَحَمَّلُهَا عَنِ الْقَاتِلِ، وَشَذَّ مِنْهُمُ الْأَصَمُّ، وَابْنُ عُلَيَّةَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ فَأَوْجَبُوهَا عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ الْعَاقِلَةِ كَالْعَمْدِ، احْتِجَاجًا

<<  <  ج: ص:  >  >>