للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يتشرطَ خِيَار الثَّلَاثِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ الْمُوَكِّلِ صَرِيحٍ، لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ إِلَّا بِشَرْطٍ، فَلَمْ تَتَضَمَّنْهُ الْوِكَالَةُ إِلَّا بِإِذْنٍ كَالْأَجْلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُ خِيَارِ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْمُوَكِّلِ، لِأَنَّ الْخِيَارَ زِيَادَةُ نَظَرٍ وَطَلَبُ حَظٍّ بِخِلَافِ الْأَجَلِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَشَرَطَ الْوَكِيلُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ خِيَارَ الثَّلَاثِ، فَهُوَ ثَابِتٌ لِلْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ، أَمَّا الْوَكِيلُ، فَلِأَجْلِ عَقْدِهِ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ، فَلِحَقِّ مِلْكِهِ.

وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ صَاحِبَهُ إِلَى قَطْعِ الْخِيَارِ بِفَسْخٍ أَوْ إِجَازَةٍ، صَحَّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ سَبَقَ الْوَكِيلُ إِلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُوَكِّلُ لَزِمَهُ، وَكَذَا لَوْ سَبَقَ الْمُوَكِّلُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْوَكِيلِ صَحَّ. واللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ:

إِذَا بَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ خِيَارُ الثَّلَاثِ فِيهَا لِزَيْدٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ: جَازَ، وَكَانَ الْخِيَارُ لِزَيْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ فِيهِ خِيَارٌ، وَمَنَعَ مِنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الشَّرْطِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: حَمْلُ الْجَوَابِ عَلَى ظَاهِرِ نَصِّهِ الْأَوَّلِ، وَيَصِحُّ الشَّرْطُ، وَيَكُونُ الْخِيَارُ لِزَيْدٍ الْمُسَمَّى دُونَ الْبَائِعِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَمْنَعُ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ، وَمُسْتَحِقُّ الْخِيَارِ مَوْقُوفٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ الْخِيَارَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فَاسِدٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْخِيَارَ فَيَ الْبَيْعِ إِلَّا مَنْ عَقَدَهُ أَوْ عُقد لَهُ، وَلَيْسَ زَيْدٌ الْمُسَمَّى فِي اسْتِحْقَاقِ الْخِيَارِ لَهُ عَاقِدًا وَلَا مَعْقُودًا لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِي الْعَقْدِ خِيَارٌ.

وَالثَّالِثُ: إِنْ جُعِلَ الْخِيَارُ لِزَيْدٍ عَلَى طَرِيقِ التَّوْكِيلِ لَهُ فِي النَّظَرِ عَنِ الْبَائِعِ، صَحَّ، وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِزَيْدٍ الْمُسَمَّى وَلِلْبَائِعِ مَعًا، وَكَانَ زَيْدٌ وَكِيلًا لِلْبَائِعِ، فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ الْفَسْخَ أَوِ الْإِمْضَاءَ لَزِمَ: الْوَكِيلَ أَوِ الْمُوَكِّلَ.

فَإِنْ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ مِلْكًا لَهُ دُونَ الْبَائِعِ، أَوْ أُطْلِقَ الشَّرْطُ، لَمْ يَجُزْ وَكَانَ بَاطِلًا.

وَتَعْلِيلُ هَذَا الْمَذْهَبِ مُشْتَرَكٌ مِنْ تَعْلِيلِ الْمَذْهَبَيْنِ الأولين وهو أظهر المذاهب الثلاثة [ولأنه لا يجوز أن يثبت الخيار لوكيله دونه] .

فَإِذَا قِيلَ: بِصِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ عَلَى التَّفْصِيلِ المذكور، صح البيع وثبت فيه الشرط. فإذا قِيلَ: بِفَسَادِ هَذَا الشَّرْطِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِفَسَادِهِ، وَيَكُونُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>