وَأَمَّا الْمَعْنَى: فَهُوَ أَنَّهَا فِي الدِّيَةِ قِيمَةُ مُتْلَفٍ فَلَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَفِي الْكَفَّارَةِ مُوَاسَاةٌ فَجَازَ أَنْ تَكُونَ مَجْهُولَةً.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الصِّغَرَ كَالزَّمَانَةِ فَهُوَ أَنَّ نَقْصَ الزَّمَانَةِ لَا يَزُولُ وَنَقْصَ الصِّغَرِ يَزُولُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ إِنَّ إِسْلَامَهَا مَجْهُولٌ مَظْنُونٌ فَهُوَ أَنَّ إِسْلَامَ الصَّائِمِ الْمُصَلِّي مَظْنُونٌ لِجَوَازِ أَنْ يُبْطِنَ الرِّدَّةَ، وَعَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَظْنُونًا فَهُوَ يُسَاوِي الْمُتَيَقَّنَ فِي الْقِصَاصِ إِذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَكَذَلِكَ في الكفارة.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (أَوْ خَرْسَاءَ جِبِلِّيَّةٍ تَعْقِلُ الْإِشَارَةَ بِالْإِيمَانِ أَجْزَأَتْهُ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَا يُعْتِقَهَا إِلَّا أَنْ تَتَكَلَّمَ بِالْإِيمَانِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا الْأَخْرَسُ إِذَا حُكِمَ بِإِيمَانِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ فَعِتْقُهُ فِي الْكَفَّارَةِ جَائِزٌ وَلَا يَمْنَعُ خَرَسُهُ مِنْ إِجْزَاءِ عتقه لأنه عيب لا يضر بالعمل إصراراً بَيِّنًا. وَكَذَلِكَ الْأَصَمُّ فَإِنِ اجْتَمَعَ الْخَرَسُ وَالصَّمُّ لَمْ يَجُزْ فِي عِتْقِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا مُضِرٌّ بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَيِّنًا. فَأَمَّا الْخَرْسَاءُ الْجِبِلِّيَّةُ الَّتِي لَمْ تَتْبَعْ أَحَدَ أَبَوَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ فَإِذَا وَصَفَتِ الْإِسْلَامَ بِالْإِشَارَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَانَتْ مَفْهُومَةَ الْإِشَارَةِ صَحَّ إِسْلَامُهَا وَأَجْزَأَ عِتْقُهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اخْتَبَرَ إِسْلَامَ السَّوْدَاءِ بِالْإِشَارَةِ، وَلِأَنَّ إِشَارَةَ الْخَرْسَاءِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ تَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ فَكَذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ إِسْلَامَهَا مُعْتَبَرٌ بِالْإِشَارَةِ فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَهَا بَعْدَ الْإِشَارَةِ بِالْإِسْلَامِ أَجْزَأَتْهُ.
وَرَوَى الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ (الْأُمِّ) إِذَا أَشَارَتْ بِالْإِسْلَامِ وَصلَّتْ جَازَ عِتْقُهَا فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا رَوَاهُ الرَّبِيعُ مِنْ صَلَاتِهَا بَعْدَ الْإِشَارَةِ هَلْ يَكُونُ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْعِتْقِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَوْكِيدٌ وَلَيْسَتْ شَرْطًا عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اقْتَصَرَ مِنَ الْأَعْجَمِيَّةِ عَلَى الْإِشَارَةِ بِالْإِسْلَامِ دُونَ الصَّلَاةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ صَلَاةَ الْأَخْرَسِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ إِسْلَامِهِ بِالْإِشَارَةِ وَحُمِلَ إِطْلَاقُ الْمُزَنِيِّ عَلَى تَفْسِيرِ الرَّبِيعِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ اسْتِدْلَالٌ يَخْتَصُّ بِالْأَخْرَسِ، وَالصَّلَاةُ فَقَدْ اشْتَرَكَ فِيهَا النَّاطِقُ وَالْأَخْرَسُ فَإِذَا أَمْكَنَ اخْتِبَارُ إِسْلَامِهِ بِمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ لَمْ يَجُزِ الِاخْتِصَارُ عَلَى مَا يُخْتَصُّ بِهِ.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ سُبِيَتْ صَبِيَّةٌ مَعَ أَبَوَيْهَا كَافِرَيْنِ فَعَقَلَتْ