طِبِّ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ. فَإِنْ قَالُوا غَالَبَهُ التلف جعلت العطايا مِنَ الثُّلُثِ لِكَوْنِهِ مَخُوفًا. وَإِنْ قَالُوا غَالَبَهُ السَّلَامَةُ فَهُوَ غَيْرُ مَخُوفٍ. وَهَكَذَا لَوْ قَالُوا غَالَبَهُ الْمَوْتُ بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ فَهُوَ غَيْرُ مَخُوفٍ. وَالْعَطَايَا فِيهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
فَلَوْ مَاتَ فَقَالَ مَنْ شَهِدَ بِسَلَامَتِهِ مِنَ الطِّبِّ أخطأنا قد كنا ظنناه أَنَّهُ غَيْرُ مُوحٍ فَبَانَ مُوحِيًا: قبل قَوْلهمْ لأن ما رجعوا إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَمَارَةٌ دَالَّةٌ وَهُوَ الموت، فلو اختلفوا في المرض فحكم بعض بأنه مَخُوفٌ مُوحٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ غَيْرُ مَخُوفٍ: رجعَ إِلَى قَوْلِ الْأَعْلَمِ مِنْهُمْ فَإِنِ اسْتَوَوْا فِي العلم، وأشكل عَلَى الْأَعْلَمِ: رُجِعَ إِلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ عَدَدًا. فَإِنِ اسْتَوَوْا فِي الْعَدَدِ رُجِعَ إِلَى قول من حكم بالمخوف لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِنْ غَامِضِ الْمَرَضِ مَا خَفِيَ عَلَى غَيْرِهِ.
فَلَوِ اخْتَلَفَ الْمُعْطَى وَالْوَارِثُ فِي الْمَرَضِ عِنْدَ اعْوِزَازِ الْبَيِّنَةِ، فَادَّعَى الْوَارِثُ أَنَّهُ كَانَ مَخُوفًا، وَقَالَ الْمُعْطَى غَيْرُ مَخُوفٍ: فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُعْطَى مَعَ يَمِينِهِ دُونَ الْوارثِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ تَقَدُّمِ السَّلَامَةِ، وَفِي شَكٍّ مِنْ حُدُوثِ الْخَوْفِ.
والثاني: أنه مالك لما أعطى فلا ينزعه بعضه بالدعوى.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ومن ساوره الدم حتى تغير عَقْلُهُ أَوِ الْمُرَارِ أَوِ الْبَلْغَم كَانَ مَخُوفًا فإن استمر به فالج فَالْأَغْلَبُ إِذَا تَطَاوَلَ بِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَخُوفٍ ".
قال الماوردي: أما مساورة الدم يعني بِهِ مُلَازَمَةَ الدَّمِ وَغَلَبَتَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
(ساورتني صيلة مِنَ الرَّقْشِ ... فِي أَنْيَابِهَا السُّمّ نَاقِعُ)
وَمُسَاوَرَةُ الدَّمِ هُوَ مَا يُسَمِّيهِ الطِّبُّ: الْحُمْرَةَ وَهُوَ أَنْ يَغْلِبَ الدَّمُ بِزِيَادَتِهِ فَلَا يَسْكُنُ بِالْفَصْدِ، وربما حدث منه الخناق والذبحة فيوصي صَاحِبُهُ فَهُوَ مَخُوفٌ.
وَأَمَّا الْمِرَارُ إِذَا غَلَبَ عليه فَهُوَ مَخُوفٌ، فَإِنِ انْقَلَبَ الْمِرَارُ إِلَى السَّوْدَاءِ فَهُوَ غَيْرُ مَخُوفٍ، لِأَنَّ السَّوْدَاءَ قَدْ تُفْضِي بِصَاحِبِهَا إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا تَغَيُّرُ الْعَقْلِ، وَإِمَّا ظُهُورُ حَكَّةٍ وَبُثُور، وَذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ غَيْرُ مَخُوفٍ.
وَأَمَّا الْبَلْغَمُ إِذَا غَلَبَ فَمَخُوفٌ، فَإِنِ اسْتَمَرَّ فَصَارَ فَالِجًا فَهُوَ غَيْرُ مَخُوفٍ، لأن المفلوج قد تسترخي بعض أعضائه فيعيش دهرا.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَالسُّلُّ غَيْرُ مَخُوفٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: لِأَنَّ السُّلَّ قَدْ يَطُولُ بِصَاحِبِهِ فَيَعِيشُ الْمَسْلُولُ دهرا لا سيما إذا كَانَ شَيْخًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَخُوفَ مَا كَانَ مُوحِيًا، فَإِنِ اسْتَدَامَ بِصَاحِبِهِ حَتَّى اسْتَسْقَى وسقط فهو مخوف. والله أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " والطاعون مخوف حتى يذهب ".