للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ فِي ابْتِدَائِهَا بَلْ يَجُوزُ تقديمها كالصيام وعبادة مختلف فيها وهي الزكاة والكفارة، وعلى كلى الْوَجْهَيْنِ لَوْ نَوَى عِنْدَ الدَّفْعِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ نَوَى بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَكِنْ لَوْ نَوَى بَعْدَ دَفْعِهَا إِلَى وَكِيلِهِ، فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ صَرْفِهَا إِلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ بَعْدَ صَرْفِهَا إِلَيْهِمْ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " ولا يجزئه ذَهَبٌ عَنْ وَرِقٍ، وَلَا ورقٌ عَنْ ذهبٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:

إِخْرَاجُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ حَتَّى يُخْرِجَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ بَدَلًا أَوْ مُبْدَلًا.

وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارِاتِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عِتْقًا، فَكُلُّ مَالٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُتَمَوَّلًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ سُكْنَى دَارٍ، أَوْ مِنْ جِنْسٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، كَإِخْرَاجِ نِصْفِ صَاعِ تَمْرٍ بَدَلًا عَنْ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي إِخْرَاجِ الْقِيمَةِ، هَلْ هي الواجب أبو بَدَلٌ عَنِ الْوَاجِبِ؟ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:

وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْوَرِقِ عَنِ الذَّهَبِ، وَالذَّهَبِ عَنِ الْوَرِقِ لَا غَيْرَ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: " اغْنُوهُمْ عَنِ المسألة في مثل هَذَا الْيَوْمِ " وَالْإِغْنَاءُ قَدْ يَكُونُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ، كَمَا يَكُونُ بِدَفْعِ الْأَصْلِ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مخاضٍ، فإن لم يكن فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ " فَنَصَّ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ.

وَبِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالِيًا عَلَيْهِمْ: " ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ " فَأَمَرَهُمْ بِدَفْعِ الثِّيَابِ بَدَلًا عَنِ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، وَهُوَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا تَوْقِيفًا، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُزَكًّى فَجَازَ إِخْرَاجُ قِيمَتِهِ كَمَالِ التِّجَارَةِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَالٌ فَجَازَ إِخْرَاجُهَا فِي الزَّكَاةِ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي الزَّكَاةِ الْعُدُولُ عن الْعَيْنِ إِلَى الْجِنْسِ، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ غَنَمِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ

<<  <  ج: ص:  >  >>