للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُدُولُ مِنْ جِنْسٍ إِلَى جِنْسٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لَمَّا لَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ مِنَ الْعَيْنِ إِلَى الْجِنْسِ لَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ مِنْ جِنْسٍ إِلَى جِنْسٍ.

وِالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ: رِوَايَةُ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْحَبِّ حَبًّا، وَمِنَ الْغَنَمِ غَنَمًا، وَمِنَ الْإِبِلِ إِبِلًا، وَمِنَ الْبَقَرِ بَقَرًا " فَاقْتَضَى ظَاهِرُ أَمْرِهِ أَنْ لَا يَجُوزَ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِهِ. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صدقة الفطر من رمضان صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، على كل حر وعبدٍ ذكرٍ أو أنثى مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَخَيَّرَهُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ دُونَ غيرهما، والمخالف فخيره بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَ قِيمَةِ أَحَدِهِمَا، وَظَاهِرُ الْخَبَرِ يمنع منهما.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مخاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ ذكرٍ " وفيه دليلان:

أحدهما: أنه أمر أن يأخذ ابْنِ لَبُونٍ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ عِنْدَ عَدَمِ بِنْتِ مَخَاضٍ، وأبو حنيفة يُجِيزُ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ نَصَّ عَلَى شَيْئَيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ وأبو حنيفة يُجِيزُ ثَالِثًا وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَيُسْقِطُ التَّرْتِيبَ، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ جَذَعَةً وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ ويجعل معها شاتين إن استيسر، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا " وَفِيهِ دَلِيلَانِ كَالَّذِي قَبْلَهُ، ثُمَّ قَدَّرَ الْبَدَلَ مِنَ الدَّرَاهِمِ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَالْقِيمَةُ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِالشَّرْعِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَإِنَّمَا الْبَدَلُ مُقَدَّرٌ بِالشَّرْعِ كَالدِّيَاتِ، وَهَذَا دَلِيلٌ ثَالِثٌ مِنَ الْخَبَرِ، وَهُوَ أَقْوَاهَا، وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ عَنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يُجْزِهِ كَسُكْنَى دَارِهِ، وَهُوَ أَنْ يُسْكِنَهَا الْفُقَرَاءَ مُدَّةً تَكُونُ أُجْرَتُهَا قَدْرَ زَكَاتِهِ، وَلِأَنَّهُ إِخْرَاجُ قِيمَةٍ فِي الزكاة فوجب أن لا يجزئه، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ نِصْفَ صَاعٍ تَمْرًا وَسَطًا عَنْ صَاعِ تَمْرٍ رَدِيءٍ، أَوْ أَخْرَجَ شَاةً سَمِينَةً عَنْ شَاتَيْنِ مَهْزُولَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ فِي مَالٍ يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الطُّهْرَةِ فَلَمْ يَجُزْ إِخْرَاجُ قِيمَتِهِ كَالْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِنْ قِيلَ هُوَ بَاطِلٌ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ إِخْرَاجُ قيمته، قيل غلط، لأن القيمة ليست مخرجة، وإنما يتعذر بِهَا الْبَدَلُ الْمُخْرَجُ، أَلَا تَرَاهُ يُقَوِّمُ الْجَزَاءَ دَرَاهِمَ ثُمَّ تُصْرَفُ الدَّرَاهِمَ فِي طَعَامٍ وَلَا تُخْرَجُ الدَّرَاهِمُ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدَّرٍ مَأْخُوذٍ وَهُوَ الزَّكَاةُ، وَمُقَدَّرٍ مَتْرُوكٍ وَهُوَ النِّصَابُ، فلما ثبت أن القدر الْمَتْرُوكَ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الإبل ثنايا تساوي خمساً مِنَ الْإِبِلِ دُونَ الثَّنَايَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِقْدَارُ الْمَأْخُوذُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ مَا كَانَ في معناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>