فَإِنِ اخْتَلَفَ هُوَ وَالْوَلِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْمُدَّةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْفَقْتُ عَلَيْكَ عَشْرَ سِنِينَ فِي كل سنة مائة دينار، فقال: أَنْفَقْتَ عَلَيَّ عَشْرَ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ خَمْسِينَ دِينَارًا.
فَالْقَوْلُ فِيهِ، قَوْلُ الْوَلِيِّ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَاهُ سَرَفًا، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ وَصِيًّا، أَوْ أَمِينَ حَاكِمٍ: فَلَهُ إِحْلَافُهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ.
وَإِنْ كَانَ أَبًا، أَوْ جَدًّا، فَفِي إِحْلَافِهِ لَهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ، كَالْأَجْنَبِيِّ، لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي حُقُوقِ الْأَمْوَالِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْلِفُ، لِأَنَّهُ يُفَارِقُ الْأَجْنَبِيَّ فِي نَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْهُ. وَكَثْرَةِ الْإِشْفَاقِ عَلَيْهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى قَدْرِ النَّفَقَةِ، وَيَخْتَلِفَا فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْفَقْتُ عَلَيْكَ عَشْرَ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ دِينَارٍ، فَقَالَ: بَلْ أَنْفَقْتَ عَلَيَّ خَمْسَ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ دِينَارٍ.
فَعِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الإصطرخي: أن القول قول الولي، كاختلافهم فِي الْقَدْرِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْمُدَّةِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: بَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْيَتِيمِ مَعَ يَمِينِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْقَدْرِ، وَبَيْنَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمُدَّةِ: أَنَّهُمَا فِي الْقَدْرِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْمَالِ، فَقُبِلَ مِنْهُ قَوْلُ الْوَلِيِّ، لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُدَّةِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْمَوْتِ الذي يعقبه نظر الولي، فلم يقبل قولي الولي، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّنَا عَلَى يقين من حدوث الموت في شَكٍّ مِنْ تَقَدُّمِهِ، فَلِذَلِكَ افْتَرَقَ الْحُكْمُ فِيهِمَا.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا إِخْرَاجُ مَا تَعَلَّقَ بِمَالِهِ مِنَ الْحُقُوقِ، فَضَرْبَانِ: حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ.
فَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَالزَّكَوَاتُ، وَالْكَفَّارَاتُ.
أَمَّا الزكوات: فزكاة الفطر، وأعشار الزروع والثمار، واجبة إِجْمَاعًا.
وَأَمَّا زَكَاةُ الْأَمْوَالِ: فَقَدْ أَسْقَطَهَا أبو حنيفة، ولم يوجبها إلى عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ.
وَعِنْدَنَا: تَجِبُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَالْإِسْلَامِ، عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، عَاقِلٍ وَمَجْنُونٍ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ.
وَإِذَا وَجَبَتْ: لَزِمَ إِخْرَاجُهَا، وَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا، عَنْ مُسْتَحِقِّهَا، وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهُ وَيَتْرُكُهَا فِي مَالِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ، فَيُخْرِجُهَا عن نفسه ".