لِغَيْرِهِ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ يَقَعُ لِغَيْرِهِ دُونَهُ، فَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْعَمَلَ وَقَعَ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إِلَّا نَفْسَهُ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ فَأَمَّا إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنَ الْمَعْدِنِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتِ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: تَحْفِرُ لِي كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا صَحَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً، فَأَمَّا إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِذَلِكَ وَجَعَلَ أُجْرَتَهُ جَزَاءً مِمَّا يُخْرِجُهُ مِنَ الْمَعْدِنِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: ثُلُثُهُ أَوْ رُبْعُهُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ، لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْجَهَالَةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ أَخْرَجْتَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتُ لَكَ نِصْفَهُ أَوْ ثُلُثَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الَّذِي جَعَلَ لَهُ مَجْهُول الْقَدْرِ وَإِنْ جَعَلَ مَعْلُومًا فَقَالَ: إِنْ أَخْرَجْتَ مِنْهُ كَذَا فَقَدْ جَعَلْتُ لَكَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، صَحَّ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ: مَنْ جَاءَ بِعَبْدِي، أَوْ قَالَ: إِنْ جِئْتَ بِعَبْدِي فَلَكَ دِينَارٌ صَحَّ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[مسألة]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَنْ مَنَعَ فَضْلَ ماءٍ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْمَاشِيَةِ مِنْ فَضْلِ مَائِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَا يُسْقَى بِهِ الزَّرْعُ أَوِ الشَّجَرُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الْآبَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يَحْفِرُهُ فِي مِلْكِهِ، وَضَرْبٌ يَحْفِرُهُ فِي الْمَوَاتِ، لِتَمَلُّكِهِ، وَضَرْبٌ يُحْفَرُ فِي الْمَوَاتِ لَا لِلتَّمَلُّكِ.
فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ إِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ فَإِنَّمَا نَقَلَ مِلْكَهُ مِنْ مِلْكِهِ، لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَحَلَّ قَبْلَ الْحَفْرِ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ إِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَوَاتِ لِيَتَمَلَّكَهَا فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالْإِحْيَاءِ، وَالْإِحْيَاءُ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى مَائِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ نَيْلُهَا، وَإِذَا بَلَغَ نَيْلَ مَا يُحْيِيهِ ملكه، وقيل: إن يبلغ الماء يكون ذَلِكَ تَحَجُّرًا وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ إِنَّ تَحْجِيرَهُ مَا لَمْ يَبْلُغِ النَّيْلَ، وَإِذَا بَلَغَ النَّيْلَ كَانَ ذَلِكَ إِحْيَاءً وَيَمْلِكُهُ، وَيُفَارِقُ الْمَعْدِنَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يَنْتَهِي عِمَارَتُهُ وَالْبِئْرَ تَنْتَهِي عِمَارَتُهَا فَإِذَا بَلَغَ الْمَاءَ تَكَرَّرَتْ مَنْفَعَتُهَا عَلَى صِنْفَيْهَا إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهَلْ يَمْلِكُ الْمَاءَ الَّذِي يَحْصُلُ فِي هَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ أَمْ لَا؟ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَمْلِكُ، لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ لَوْ كان مملوكاً يستبح بِالْإِجَارَةِ، لأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُسْتَبَاحُ بِالْإِجَارَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَمَا جَازَ بَيْعُ دارٍ فِي بِئْرِهَا مَاءٌ بدارٍ فِي بِئْرِهَا مَاءٌ، لِأَنَّ الرِّبَا يَجْرِي فِي الْمَاءِ لِكَوْنِهِ مَطْعُومًا، وَلَمَّا جَازَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَمْلُوكٌ أَنَّهُ نَمَاءٌ مَلَكَهُ فَهُوَ كَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ مَعْدِنٌ ظَهَرَ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهَا إِذَا ظَهَرَتْ فِي أَرْضِهِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَمْ يُسْتَبَحْ بِالْإِجَارَةِ فَهُوَ أَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تُسْتَبَاحُ بِالْإِجَارَةِ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَمْلِكَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْإِرْضَاعِ عَيْنَ اللَّبَنِ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ أَنْ يَسْتَبِيحَهُ الْمُسْتَأْجِرُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُكْرِي فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي الْحَالِ، وَمَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ منع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute