للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى زَالَ لَوْنُ الطِّيبِ وَرَائِحَتُهُ، جَازَ أَنْ يَلْبَسَهُ، وَإِنْ صَبَغَهُ بِسَوَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، حَتَّى زَالَ لَوْنُهُ وَرَائِحَتُهُ، نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ ثَارَتْ لَهُ رَائِحَةٌ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ لُبْسُهُ، وَفِيهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ لَمْ تَبِنْ له رائحة برشٍ عَلَيْهِ، جَازَ لَهُ لُبْسُهُ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَإِنْ ظَهَرَ بِالصَّبْغِ رَائِحَةُ الطِّيبِ دُونَ لَوْنِهِ، مُنِعَ الْمُحْرِمُ مِنْ لُبْسِهِ، وَوَجَبَ فِيهِ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الطِّيبِ رَائِحَتُهُ. وَإِنْ ظَهَرَ بِالصَّبْغِ لَوْنُهُ دُونَ رَائِحَتِهِ جَازَ لُبْسُهُ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَفْقُودٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ صُبِغَ ثَوْبٌ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ، فَذَهَبَ رِيحُ الْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ لِطُولِ لُبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ إِذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ حَرَّكَ رِيحَهُ وَإِنْ قَلَّ، لَمْ يَلْبَسْهُ الْمُحْرِمُ، وَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْ رِيحَهُ، فَإِنْ غُسِلَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ لُبْسُهُ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ لَيْسَ بِنَجَسٍ وَلَا أُرِيدُ بِالْغَسْلِ ذَهَابَ الرِّيحِ، فَإِذَا ذَهَبَ بِغَيْرِ غَسْلٍ رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، وَلَبِسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مُطَيَّبًا، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ أَفْضَى بِجِلْدِهِ إِلَيْهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا لُبْسَ لَهُ، فَأَمَّا إِنِ افْتَرَشَهُ وَنَامَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَفْضَى بِجِلْدِهِ إِلَيْهِ افْتَدَى؛ لِأَنَّهُ مُتَطَيِّبٌ، وَإِنْ لَمْ يُفْضِ بِجِلْدِهِ إِلَيْهِ، فَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَوْبِهِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَابِسٍ وَلَا مُتَطَيِّبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلطِّيبِ مُجَاوِرٌ، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الثَّوْبُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ يَشِفُّ، كَرِهنَا ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَشِفُّ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ، وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ. وَجُمْلَتُهُ أَنْ تَكُونَ هَيْئَةُ الْمُحْرِمِ مُخَالِفَةً لِهَيْئَةِ الْمَحَلِّ. رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى قَوْمًا في الْحَجِّ لَهُمْ هَيْئَةٌ أَنْكَرَهَا فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الدَّاجُّ فَأَيْنَ الْحَاجُّ؟ وَفِي الْحَاجِّ وَالدَّاجِّ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا:

أحدهما: أن الحاج إذا أقبلوا، والداج إلى رَجَعُوا، وَهَذَا قَوْلُ مَيْسَرَةَ بْنِ عُبَيْدٍ.

وَالثَّانِي: أن الحاج الْقَاصِدُونَ الْحَجَّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّأْنِ، وَالدَّاجَّ الْأَتْبَاعُ، مِنْ تَاجِرٍ ومكارٍ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُمُ الْحَاجُّ وَالدَّاجُّ وَالزَّاجُّ فَالْحَاجُّ أَصْحَابُ الشَّأْنِ وَالدَّاجُّ الْأَتْبَاعُ وَالزَّاجُّ الْمُرَاؤُونَ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

(عِصَابَةٌ إِنْ حَجَّ مُوسَى حَجُّوا ... وَإِنْ أَقَامَ بِالْعِرَاقِ دَجُّوا)

(مَا هَكَذَا كَانَ يَكُونُ الْحَجُّ)

يَعْنِي مُوسَى بْنَ عِيسَى الْهَاشِمِيَّ.

فَصْلٌ

: إِذَا لَبِسَ الْحَلَالُ ثَوْبًا مُطَيَّبًا، ثُمَّ أَحْرَمَ فِيهِ وَاسْتَدَامَ لُبْسُهُ جاز، ولم تجب عليه الفدية؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَطَيَّبَ وَهُوَ حَلَالٌ، ثُمَّ أَحْرَمَ وَاسْتَدَامَ الطِّيبُ، جَازَ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ، فَكَذَلِكَ الثَّوْبُ، وَلَكِنْ لَوْ أَحْرَمَ فِي ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ، ثُمَّ نَزَعَهُ وَأَعَادَ لُبْسَهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ افْتَدَى؛ لِأَنَّهُ كَالْمُبْتَدِئِ لِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ بَعْدَ إِحْرَامِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>