عَلَى الْقَاطِعِ دِيَةُ يَدِهِ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ لَمْ يَسْرِ، وَكَانَ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ نَفْسِهِ؟ وَالْمُزَنِيُّ اعْتَبَرَ أَرْشَ الْجِرَاحَةِ مَعَ سِرَايَتهَا، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِهَذَا الْأَصْلِ.
وَالثَّانِي: إِنَّ قِيمَةَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ وُقُوعِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى لَوْ قَطَعَ يَدَ عبدٍ فَمَاتَ اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ قَطْعِهِ وَلَمْ تُعْتَبَرْ بَعْدَهُ، وَالْمُزَنِيُّ اعْتَبَرَ الْقِيمَةَ بعد الجراح، فَخَالَفَ هَذَا الْأَصْلَ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا كَذَلِكَ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ، هَلْ قَالَهُ تَخْرِيجًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَكَانَ مُخْطِئًا، أَوْ قَالَهُ مَذْهَبًا لِنَفْسِهِ فَكَانَ مُجْتَهِدًا؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَهُ تَخْرِيجًا.
وَالثَّانِي: قَالَهُ مَذْهَبًا غَيْرَ اجتهادٍ، فَهَذَا حُكْمُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِ الْمُزَنِيِّ.
(فَصْلٌ:)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى قَوْلِهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَإِنْ لَمْ أَرَهُ فِي شَرْحِهِ، إِنَّ قِيمَتَهُ فِي حَقِّ كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ جِنَايَتِهِ وَجِرَاحَةِ كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا، قَدْ سَرَى نِصْفُهَا إِلَى مَا دَخَلَ فِي ضَمَانٍ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَسَرَى نِصْفُهَا إِلَى مَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ غَيْرِهِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَرَتْ فِي حَقِّهِ إِلَى جَمِيعِ النَّفْسِ سَقَطَتْ، وَلَوْ لَمْ تَسْرِ فِي حَقِّهِ إِلَى شيءٍ مِنَ النَّفْسِ وَجَبَتْ، فَوَجَبَ إِذَا سَرَتْ فِي حَقِّهِ إِلَى نِصْفِ النَّفْسِ أَنْ يسقط نصف الأرش ويجب نصف الأرض مَضْمُونًا إِلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقْتَ جِنَايَتِهِ، وَيَتَحَمَّلُ الثَّانِي عَنِ الْأَوَّلِ نِصْفَ الْأَرْشِ كَمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ نِصْفَ النَّفْسِ.
وَبَيَانُهُ: أَنْ نَقُولَ جَرَحَهُ الْأَوَّلُ، وَقِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَأَرْشُ جِرَاحَتِهِ دِرْهَمٌ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْعَشَرَةِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ وَنِصْفُ الْأَرْشِ وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ يَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ الثَّانِي، ثُمَّ جَرَحَهُ الثَّانِي، وَقِيمَتُهُ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ وَأَرْشُ جِرَاحَتِهِ دِرْهَمٌ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، وَنِصْفُ أَرْشِ جِرَاحَتِهِ، وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ يَتَحَمَّلُهُ عَنِ الْأَوَّلِ، فَيَصِيرُ عَلَيْهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الْأول خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَيَصِيرُ هَذَا مُوَافِقًا لِقَوْلِ الْمُزَنِيِّ فِي الْجَوَابِ، وَمُخَالِفًا لَهُ فِي التَّعْلِيلِ؛ لِيَكُونَ سَلِيمًا عَلَى الْأُصُولِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ أَرْشُ جِرَاحَةِ الْأَوَّلِ دِرْهَمًا، وَأَرْشُ جِرَاحَةِ الثَّانِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْعَشَرَةِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ، وَنِصْفُ أَرْشِ جِرَاحَتِهِ وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَجُرْحُهُ الثَّانِي، وَقِيمَتُهُ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ، فَعَلَيْهِ نِصْفُهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ أَرْشِ جِرَاحَتِهِ، وَهُوَ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ تَحَمَّلَهَا عَنِ الْأول، فَصَارَ عَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ، وَبَقِيَ عَلَى الْأَوَّلِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ أَرْشُ جِرَاحَةِ الْأول ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَأَرْشُ جِرَاحَةِ الثَّانِي دِرْهَمًا، كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَهِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَنِصْفُ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، وَهُوَ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ، يَصِيرُ عَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ، وَجُرْحُهُ الثَّانِي وَقِيمَتُهُ سَبْعَةُ دَرَاهِمَ عَلَيْهِ نصفها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute