للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ. إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ سِوَى الزَّكَاةِ دَيْنٌ أَمْ لَا، فإن لم يكن عليه سِوَى الزَّكَاةِ أُخِذَتِ الزَّكَاةُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَاقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ بِبَاقِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَدْ وَجَبَ فِي مَالِهِ حَقَّانِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الزَّكَاةُ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ وَهُوَ الدَّيْنُ فإن كانت تركته تسع لَهُمَا قُضِيَا مَعًا، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ اقْتَسَمَهُ الْوَرَثَةُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ ضَاقَتْ تركته عنها لَمْ يَخْلُ حَالُ الزَّكَاةِ الَّتِي وَجَبَتْ مِنْ أمرين، إما أن تكون زكاة مال فطره أو زكاة مال فإن كانت زكاته مَالٍ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمَالِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا، أَوْ مَعْدُومًا فإن كان معدوماً استقر الدين وبطل تعلقهما بِالْعَيْنِ وَصَارَتْ لِاسْتِقْرَارِهَا فِي الذِّمَّةِ كَالدَّيْنِ ثُمَّ هَلْ تُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ، أَوْ يُقَدَّمُ عليها دَيْنِ الْآدَمِيِّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (فدين الله أحق أن يقضى) .

والقوال الثَّانِي: أَنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا فَيُبْدَأُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْآدَمِيِّ، ثُمَّ يُصْرَفُ مَا بَقِيَ فيها لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَحَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُضَايَقَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِوُجُوبِ أَدَائِهِمَا فَيَخْرُجُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِسْطٍ مَا احْتَمَلَتْهُ التَّرِكَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي وَجَبَتْ زَكَاتُهُ مَوْجُودًا فِي التَّرِكَةِ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي الْعَيْنِ دُونَ الذِّمَّةِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَالْعَيْنُ بِهَا مُرْتَهِنَةٌ قُدِّمَتِ الزَّكَاةُ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ، لِأَنَّهُمَا قَدِ اسْتَوَيَا فِي الْوُجُوبِ، وَتَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِالْعَيْنِ فَكَانَ أَقْوَى وَأَوْلَى بِالتَّقْدِمَةِ كَالْمُرْتَهِنِ يُقَدَّمُ بِثَمَنِ الرَّهْنِ عَلَى جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُمْ فِي الدَّيْنِ، وَفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ، لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ، وَإِنْ قِيلَ: وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ وُجُوبًا مُنْبَرِمًا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْعَيْنِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الزَّكَاةِ الَّتِي قَدْ وَجَبَتْ فِي مَالٍ قَدْ تَلِفَ فَيَكُونُ فِيهَا، وَفِي الدَّيْنِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ عَلَى مَا مَضَتْ فَهَذَا حُكْمُ زَكَاةِ الْمَالِ مَعَ الدَّيْنِ فَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ مَعَ الدَّيْنِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَكَانَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ يَقُولُ: هِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا لِقِلَّتِهَا فِي الْغَالِبِ وَتَعَلُّقِهَا بِالرَّقَبَةِ فَاسْتَحَقَّتْ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أنه كَزَكَاةِ الْمَالِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى يَجِبُ صَرْفُهُ إِلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُهُمَا فَعَلَى هَذَا فِيهَا، وَفِي الدَّيْنِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ عَلَى مَا مَضَتْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>