فَعَلَى هَذَا لَا تَعَارُضَ فِي الشَّهَادَتَيْنِ وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، تَعْلِيلًا بِمَا قَدَّمْنَاهُ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: فِي التَّفْصِيلِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مَجْهُولَ الدَّيْنِ فَيَشْهَدُ شَاهِدَانِ بِإِسْلَامِهِ، وَيَشْهَدُ شَاهِدَانِ بنصرانيته، فيسوي مَعَ الْجَهْلِ بِدِينِهِ إِطْلَاقُ الشَّهَادَتَيْنِ، وَتَقْيِيدُهُمَا فِي التَّعَارُضِ، وَإِنْ كَانَتَا فِي التَّقْيِيدِ مُتَكَاذِبَتَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا فِي الْإِطْلَاقِ صَادِقَتَيْنِ لَكِنَّ الْجَهْلَ بِدِينِهِ، يَمْنَعُ مِنَ الْحُكْمِ بِإِحْدَاهُمَا مَعَ التَّصَادُقِ فَجَرَى عَلَيْهِمَا حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ فِي التَّكَاذُبِ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَقَاوِيلِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ،
أَحَدُهُمَا: إِسْقَاطُ الْبَيِّنَتَيْنِ وَيُرَدَّانِ إِلَى دَعْوَى بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ.
وَالثَّانِي: الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا، وَالْحُكْمُ بِالْقَارِعَةِ مِنْهُمَا وَفِي إِحْلَافِ مَنْ قَرَعَتْ بَيِّنَتُهُ قَوْلَانِ:
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: الْمُخْتَلَفُ فِي تَخْرِيجِهِ اسْتِعْمَالُ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَقَسَمَ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمَا بِالْبَيِّنَةِ نِصْفَيْنِ.
فَعَلَى قَوْلِ الْمُزَنِيِّ، وَمَنْ تَابَعَهُ، يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِالْبَيِّنَتَيْنِ إِرْثًا، وَيُفْصَلُ بِهَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا.
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا يصح استعمالهما، لِيَقِينِ الْخَطَأِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَيَسْقُطَانِ عِنْدَ اسْتِحَالَةِ الْحُكْمِ بِهِمَا، وَإِذَا سَقَطَتِ الْبَيِّنَتَانِ، وَدِينُ الْمَيِّتِ مَجْهُولٌ، فَفِي التَّرِكَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ إِنَّهَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا مِلْكًا بِالتَّحَالُفِ دُونَ الْبَيِّنَةِ لِتَكَافُئِهِمَا فِيهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خيران، إنها تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بَدْءًا، وَتُقَرُّ مَعَهُمَا أَمَانَةً يُمْنَعَانِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهَا، حَتَّى يُبَيَّنَ مُسْتَحِقُّهَا مِنْهَا أَوْ يَصْطَلِحَا عَلَيْهَا كَالْمَيِّتِ عَنْ زَوْجَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا مُطْلَقَةٌ قَدْ أَشْكَلَتْ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهَا تُقَرُّ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّنَازُعِ، وَالتَّحَالُفِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ، أُقِرَّتْ عَلَى حَالِهَا كَمَا كَانَتْ إِقْرَارُ يَدٍ وَأَمَانَةٍ، مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ.
وَوَهِمَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ فَأَقَرَّهَا فِي يَدِهِ مِلْكًا.
وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهَا مُتَعَيِّنٌ بِالْمِيرَاثِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ لِلْيَدِ فِي تَمَلُّكِهَا تَأْثِيرٌ، وَقَدْ يَكُونُ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ، لَا يَدَّعِي مِيرَاثَهَا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ مِلْكًا لَهُ.